للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن اليمان وأبو سعيد الخدريّ وأنا مع رسول الله إذ أقبل فتى من الأنصار فسلم على رسول الله ثم جلس.

فقال: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقا. قال فأى المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به أولئك الأكياس، ثم سكت الفتى. وأقبل علينا رسول الله فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلن بكم - وأعوذ بالله أن تدركوهن - أنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يغلبوا عليها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم ما مطروا، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. قال: ثم أمر عبد الرحمن ابن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فأدناه رسول الله ثم نقضها ثم عمّمه بها وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك. ثم قال: هكذا يا ابن عوف فاعتم فإنه أحسن وأعرف، ثم أمر بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه فحمد الله وصلى على نفسه ثم قال: خذه يا ابن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم. فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء. قال: ابن هشام فخرج الى دومة الجندل، بعث أبى عبيدة بن الجراح وكانوا قريبا من ثلاثمائة راكب الى سيف البحر وزوده جرابا من تمر و [فيها] قصة العنبر وهي الحوت العظيم الّذي دسره البحر (١) وأكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا وتزودوا منه وشائق أي شرائح حتى رجعوا الى رسول الله فأطعموه منه فأكل منه كما تقدم بذلك الحديث. قال: ابن هشام ومما لم يذكر ابن إسحاق من البعوث - يعنى ها هنا -، بعث عمرو بن أمية الضمريّ لقتل أبى سفيان صخر بن حرب بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه، فكان من أمره ما قدمناه وكان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر ولم يتفق لهما قتل أبى سفيان بل قتلا رجلا غيره وأنزلا خبيبا عن جذعه، وبعث سالم بن عمير أحد البكاءين الى أبى عفك أحد بنى عمرو بن عوف وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله الحارث بن سويد بن الصامت كما تقدم. فقال يرثيه ويذم - قبحه الله - الدخول في الدين:

لقد عشت دهرا وما أن أرى … من الناس دارا ولا مجمعا

أبر عهودا وأوفى لمن … يعاقد فيهم إذا ما دعا

من أولاد قيلة في جمعهم … يهد (٢) الجبال ولم يخضعا


(١) دسره البحر أي دفعه.
(٢) في المصرية: يميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>