فلم يتعرض لأسناده أبو نعيم، وقد قال هشام بن عمار في كتابه المبعث:
حدثنا يحيى بن حمزة الحضرميّ وعثمان بن علان القرشي، قالا: حدثنا عروة بن رويم اللخمي أن رسول الله ﷺ قال: إن الله أدرك بى الأجل المرقوم وأخذنى لقربه، واحتضرنى احتضارا، فنحن الآخرون، ونحن السابقون يوم القيامة، وأنا قائل قولا غير فخر: إبراهيم خليل الله، وموسى صفى الله، وأنا حبيب الله، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأن بيدي لواء الحمد، وأجارنى الله عليكم من ثلاث أن لا يهلككم بسنة، وأن يستبيحكم عدوكم، وأن لا تجمعوا على ضلالة * وأما الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد فتكلم على مقام الخلة بكلام طويل إلى أن قال: ويقال: الخليل الّذي يعبد ربه على الرغبة والرهبة، من قوله: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ﴾ من كثرة ما يقول: أواه، والحبيب الّذي يعبد ربه على الرؤية والمحبة، ويقال:
الخليل الّذي يكون معه انتظار العطاء، والحبيب الّذي يكون معه انتظار اللقاء، ويقال: الخليل الّذي يصل بالواسطة من قوله: ﴿وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ والحبيب الّذي يصل إليه من غير واسطة، من قوله: ﴿فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى﴾ وقال الخليل:
﴿الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ وقال الله للحبيب محمد ﷺ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ﴾ وقال الخليل: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ وقال الله للنّبيّ: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ وقال الخليل حين ألقى في النار: حسبي الله ونعم الوكيل وقال الله لمحمد: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقال الخليل: ﴿إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ وقال الله لمحمد: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى﴾ وقال الخليل: ﴿وَاِجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ وقال الله لمحمد: ﴿وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ وقال الخليل: ﴿وَاُجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ﴾ وقال الله للحبيب:
﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ وقال الخليل: ﴿وَاِجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ وقال الله لمحمد: ﴿إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ﴾ * وذكر أشياء أخر، وسيأتي الحديث
في صحيح مسلّم عن أبىّ بن كعب أن رسول الله ﷺ قال: إني سأقوم مقاما يوم القيامة يرغب إلى الخلق كلهم حتى أبوهم إبراهيم الخليل * فدل على أنه أفضل إذ هو يحتاج إليه في ذلك المقام، ودل على أن إبراهيم أفضل الخلق بعده، ولو كان أحد أفضل من إبراهيم بعده لذكره * ثم قال أبو نعيم: فأن قيل: إن إبراهيم ﵇ حجب عن نمروذ بحجب ثلاثة، قيل: فقد كان كذلك وحجب محمد ﷺ عمن أرادوه بخمسة حجب، قال الله تعالى في أمره: ﴿وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ فهذه ثلاث، ثم قال: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً﴾ ثم قال: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ فهذه خمس حجب * وقد ذكر مثله سواء الفقيه أبو محمد بن حامد، وما أدرى أيهما أخذ من الآخر والله أعلم * وهذا