فقال لقومه وللملك ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾ أي فأرسلونى الى يوسف فجاءه فقال ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ وعند أهل الكتاب أن الملك لما ذكره له الساقي استدعاه الى حضرته وقص عليه ما رآه ففسره له وهذا غلط والصواب ما قصه الله في كتابه القرآن لا ما عربه هؤلاء الجهلة الثيران من قراى وربان. فبذل يوسف ﵇ ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج سريعا بل أجابهم الى ما سألوا وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب. ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ﴾ يعنى يأتيهم الغيث والخصب والرفاهيّة ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ يعنى ما كانوا يعصرونه من الاقصاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها فعبر لهم. وعلى الخير دلهم وأرشدهم الى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجدبهم وما يفعلونه من ادخار حبوب سنى الخصب في السبع الأول في سنبله الا ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سنى الجدب في السبع الثانية إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل * وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأى والفهم.
﴿وَقالَ الْمَلِكُ اِئْتُونِي بِهِ فَلَمّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ اِمْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ * ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ * وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. لما أحاط الملك علما بكمال علم يوسف ﵊ وتمام عقله ورأيه السديد وفهمه أمر بإحضاره الى حضرته ليكون من جملة خاصته فلما جاءه الرسول بذلك أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلما وعدوانا وأنه بريء الساحة مما نسبوه اليه بهتانا ﴿قالَ اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ﴾ يعنى الملك ﴿فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ قيل معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب الى أي فمر الملك فليسألهن كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي وحثهن لي على الأمر الّذي ليس برشيد ولا سديد. فلما سئلن عن ذلك أعرفن بما وقع من الأمر وما كان منه من الأمر الحميد ﴿وقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ فعند ذلك ﴿قالَتِ اِمْرَأَةُ الْعَزِيزِ﴾ وهي زليخا ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ أي ظهر وتبين ووضح والحق أحق أن يتبع ﴿أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ﴾ أي فيما يقوله من انه بريء وانه لم يراودني وأنه حبس ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا.
وقوله ﴿ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ﴾ قيل إنه من كلام يوسف أي انما