للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أنى لم أخنه بظهر الغيب. وقيل إنه من تمام كلام زليخا أي إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أنى لم أخنه في نفس الأمر وإنما كان مراده لم يقع معها فعل فاحشة وهذا القول هو الّذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم ولم يحك ابن جرير وابن أبى حاتم سوى الأول. ﴿وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قيل إنه من كلام يوسف وقيل من كلام زليخا وهو مفرع على القولين الأولين. وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى والله أعلم ﴿وَقالَ الْمَلِكُ اِئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ * قالَ اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ﴾. لما ظهر للملك براءة عرضه ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه اليه ﴿قالَ الْمَلِكُ اِئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ أي أجعله من خاصتي ومن أكابر دولتي ومن أعيان حاشيتي فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله ﴿قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ أي ذو مكانة وأمانة ﴿قالَ اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالاهراء لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضى سبع سنى الخصب لينظر فيها بما يرضى الله في خلقه من الاحتياط لهم والرّفق بهم وأخبر الملك إنه حفيظ أي قوى على حفظ ما لديه أمين عليه عليم بضبط الأشياء ومصالح الاهراء وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة * وعند أهل الكتاب أن فرعون عظيم يوسف جدا وسلطه على جميع أرض مصر وألبسه خاتمه وألبسه الحرير وطوقه الذهب وحمله على مركبه الثاني ونودي بين يديه أنت رب ومسلط وقال له لست أعظم منك إلا بالكرسي. قالوا وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة وزوجه امرأة عظيمة الشأن.

وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته وولاها يوسف. وقيل إنه لما مات زوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء لأن زوجها كان لا يأتى النساء فولدت ليوسف رجلين وهما أفرايم ومنشا قال واستوثق ليوسف ملك مصر وعمل فيهم بالعدل فأحبه الرجال والنساء.

وحكى أن يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة وأن الملك خاطبه بسبعين لغة وكل ذلك يجاوبه بكل لغة منها فأعجبه ذلك مع حداثة سنه فالله أعلم * قال الله تعالى ﴿وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ﴾ أي بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب بديار مصر ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ﴾ أي أين شاء حل منها مكرما محسودا معظما ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي هذا كله من جزاء الله وثوابه للمؤمن مع ما يدخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل. ولهذا قال ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ﴾ ويقال إن أطفير زوج

<<  <  ج: ص:  >  >>