قال لأخى البراء: قم فركبا، واختطب خالد من معه من المسلمين وقال: ما هو إلا الجنة وما إلى المدينة سبيل. ثم حمل بهم فهزم المشركين.
وقد حكى مالك عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبى بكر: اكتب إلى خالد أن لا يعطى شاة ولا بعيرا إلا بأمرك. فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك، فكتب إليه خالد: إما أن تدعني وعملي، وإلا فشأنك بعملك. فأشار عليه عمر بعزله، فقال أبو بكر: فمن يجزى عنى جزاء خالد؟ قال عمر: أنا.
قال: فأنت. فتجهز عمر حتى أنيخ الظهر في الدار، ثم جاء الصحابة فأشاروا على الصديق بإبقاء عمر بالمدينة وإبقاء خالد بالشام. فلما ولى عمر كتب إلى خالد بذلك فكتب إليه خالد بمثل ذلك فعزله، وقال: ما كان الله ليراني آمر أبا بكر بشيء لا أنفذه أنا. وقد روى البخاري في التاريخ وغيره من طريق على بن رباح عن ياسر بن سلمى البرني، قال: سمعت عمر يتعذر إلى الناس بالجابية من عزل خالد، فقال: أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس، وذا الشرف واللسان، فأمرت أبا عبيدة. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: ما اعتذرت يا عمر، لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله ﷺ، ووضعت لواء رفعه رسول الله ﷺ، وأغمدت سيفا سله الله، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم. فقال عمر: إنك قريب القرابة، حديث السن مغضب في ابن عمك.
قال الواقدي ﵀، ومحمد بن سعيد وغير واحد: مات سنة إحدى وعشرين بقرية على ميل من حمص، وأوصى إلى عمر بن الخطاب. وقال دحيم وغيره: مات بالمدينة. والصحيح الأول.
وقدمنا فيما سلف تعزير عمر له حين أعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف، وأخذه من ماله عشرين ألفا أيضا. وقدمنا عتبة عليه لدخوله الحمام وتدلكه بعد النورة بدقيق عصفر معجون بخمر، واعتذار خالد إليه بأنه صار غسولا. وروينا عن خالد أنه طلق امرأة من نسائه وقال: إني لم أطلقها عن ريبة، ولكنها لم تمرض عندي ولم يصبها شيء في بدنها ولا رأسها ولا في شيء من جسدها. وروى سيف وغيره: أن عمر قال حين عزل خالدا عن الشام، والمثنى بن حارثة عن العراق: إنما عزلتهما ليعلم الناس أن الله نصر الدين لا بنصرهما وأن القوة لله جميعا. وروى سيف أيضا أن عمر قال حين عزل خالدا عن قنسرين وأخذ منه ما أخذ: إنك على لكريم، وإنك عندي لعزيز، ولن يصل إليك منى أمر تكرهه بعد ذلك. وقد قال الأصمعي عن سلمة عن بلال عن مجالد عن الشعبي قال:
اصطرع عمر وخالد وهما غلامان - وكان خالد ابن خال عمر - فكسر خالد ساق عمر، فعولجت وجبرت، وكان ذلك سبب العداوة بينهما. وقال الأصمعي عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال:
دخل خالد على عمر وعليه قميص حرير فقال عمر: ما هذا يا خالد؟ فقال: وما بأس يا أمير المؤمنين، أليس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف؟ فقال: وأنت مثل ابن عوف؟ ولك مثل ما لابن عوف؟ عزمت