ردوا علينا شيخنا ثم بجل
وقيل إِنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِوَسِيمِ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ. فكلما قتل واحد ممن يمسك الجمل يقوم غَيْرُهُ حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا زَالَ جَمَلِي مُعْتَدِلًا حَتَّى فَقَدْتُ أَصْوَاتَ بَنِي ضَبَّةَ ثُمَّ أَخَذَ الْخِطَامَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ يُقْتَلُ بَعْدَ صَاحِبِهِ، فَكَانَ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ الْمَعْرُوفُ بالسجاد فقال لعائشة مرينى بأمرك يا أمه. فَقَالَتْ: آمُرُكَ أَنْ تَكُونَ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ فَامْتَنَعَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَثَبَتَ فِي مَكَانِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ حم لَا يُنْصَرُونَ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ نَفَرٌ فحملوا عليه فقتلوه وصار لكل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يَدَّعِي، قَتْلَهُ وَقَدْ طَعَنَهُ بَعْضُهُمْ بِحَرْبَةٍ فَأَنْفَذَهُ وَقَالَ:
وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بِآيَاتِ رَبِّهِ ... قَلِيلِ الْأَذَى فِيمَا تَرَى الْعَيْنُ مُسْلِمِ
هَتَكْتُ لَهُ بِالرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ ... فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
يُنَاشِدُنِي حم وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلَّا تَلَا حم قَبْلَ التَقَدُّمِ
عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعًا ... عَلِيًّا وَمَنْ لَا يَتْبَعِ الْحَقَّ يَنْدَمِ
وَأَخَذَ الْخِطَامَ عَمْرُو بْنُ الْأَشْرَفِ فَجَعَلَ لَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ إلا حطه بِالسَّيْفِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الْحَارِثُ بْنُ زُهَيْرٍ الْأَزْدِيُّ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا أُمَّنَا يَا خَيْرَ أُمٍّ نعلم ... أما ترين كم شجاع يكلم
وتجتلى هامته والمعصم
واختلفا ضربتين فقتل كل واحد صاحبه، وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة، فكان لا يأخذ الراية ولا بخطام الجمل إِلَّا شُجَاعٌ مَعْرُوفٌ، فَيَقْتُلُ مَنْ قَصَدَهُ ثُمَّ يُقْتَلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ فَقَأَ بَعْضُهُمْ عَيْنَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقِيلَ لِعَائِشَةَ إِنَّهُ ابْنُكِ ابْنُ أُخْتِكِ فَقَالَتْ: وَاثُكْلَ أَسْمَاءَ! وَجَاءَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ فَاقْتَتَلَا فَضَرَبَهُ الْأَشْتَرُ عَلَى رَأْسِهِ فَجَرَحَهُ جُرْحًا شَدِيدًا وَضَرَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ ضَرْبَةً خَفِيفَةً ثُمَّ اعْتَنَقَا وَسَقَطَا إِلَى الْأَرْضِ يَعْتَرِكَانِ فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يقول:
اقتلوني ومالكا ... واقتلوا مالكا معى
فجعل الناس لا يعرفون مالكا من هو وإنما هو معروف بِالْأَشْتَرِ فَحَمَلَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ فَخَلَّصُوهُمَا وَقَدْ جُرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَ الْجَمَلِ بِهَذِهِ الْجِرَاحَةِ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ جِرَاحَةً، وَجُرِحَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَيْضًا، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَضَرَبَ الْجَمَلَ عَلَى قَوَائِمِهِ فَعَقَرَهُ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، فَسُمِعَ لَهُ عَجِيجٌ مَا سُمِعَ أَشَدُّ وَلَا أَنْفَذُ مِنْهُ، وَآخِرُ مَنْ كَانَ الزِّمَامُ بِيَدِهِ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ فَعُقِرَ الْجَمَلُ وَهُوَ فِي يَدِهِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ اتَّفَقَ هُوَ وَبُجَيْرُ بْنُ دُلْجَةَ عَلَى عَقْرِهِ، وَيُقَالُ إِنَّ الَّذِي أَشَارَ بعقر الجمل عَلِيٌّ، وَقِيلَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو لِئَلَّا تُصَابُ أم المؤمنين، فإنها بقيت غَرَضًا لِلرُّمَاةِ، وَمَنْ يُمْسِكُ بِالزِّمَامِ بُرْجَاسًا لِلرِّمَاحِ، وَلِيَنْفَصِلَ هَذَا الْمَوْقِفُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute