للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله وعاءين فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم» رواه البخاري من حديث ابن أبى ذيب، ورواه غير واحد عن أبى هريرة، وهذا الوعاء الّذي كان لا يتظاهر به هو الفتن والملاحم وما وقع بين الناس من الحروب والقتال، وما سيقع التي لو أخبر بها قبل كونها لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه، وردوا ما أخبر به من الحق، كما قال: لو أخبرتكم أنكم تقتلون إمامكم وتقتتلون فيما بينكم بالسيوف لما صدقتموني. وقد يتمسك بهذا الحديث طوائف من أهل الأهواء والبدع الباطلة، والأعمال الفاسدة، ويسندون ذلك إلى هذا الجراب الّذي لم يقله أبو هريرة، ويعتقدون أن ما هم عليه كان في هذا الجراب الّذي لم يخبر به أبو هريرة، وما من مبطل مع تضاد أقوالهم إلا وهو يدعى هذا وكلهم يكذبون، فإذا لم يكن أبو هريرة قد أخبر به فمن علمه بعده؟ وإنما كان الّذي فيه شيء من الفتن والملاحم كما أخبر بها هو وغيره من الصحابة، مما ذكرناه ومما سنذكره في كتاب الفتن والملاحم. وقال حماد بن زيد: حدثنا عمرو بن عبيد الأنصاري ثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أن مروان دعا أبا هريرة وأقعده خلف السرير، وجعل مروان يسأل وجعلت أكتب عنه، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به وأقعده من وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخر. وروى أبو بكر بن عياش وغيره عن الأعمش عن أبى صالح. قال: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله ولم يكن بأفضلهم.

وقال الربيع قال الشافعيّ: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وقال أبو القاسم البغوي:

حدثنا أبو خيثمة ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال: تواعد الناس ليلة من الليالي إلى قبة من قباب معاوية فاجتمعوا فيها، فقام أبو هريرة فحدثهم عن رسول الله حتى أصبح. وقال سفيان بن عيينة عن معمر عن وهب بن منبه عن أخيه همام بن منبه. قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه منى، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب. وقال أبو زرعة الدمشقيّ: حدثني محمد بن زرعة الرعينيّ ثنا مروان بن محمد ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبد الله عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبى هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس، وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة. قال أبو زرعة، وسمعت أبا مسهر يذكره عن سعيد بن عبد العزيز نحوا منه ولم يسنده، وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك. وقد جاء أن عمر أذن له بعد ذلك في التحديث، فقال مسدد:

<<  <  ج: ص:  >  >>