للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرأى أريت، ولئن كان باطلا إنه لخديعة أديت. قال: فمرني يا أمير المؤمنين بما شئت، قال:

لا آمرك ولا أنهاك. فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه؟! فقال عمر: لحسن موارده ومصادره جشمناه ما جشمناه. وفي رواية أن معاوية تلقى عمر حين قدم الشام، ومعاوية في موكب كثيف، فاجتاز بعمر وهو وعبد الرحمن بن عوف راكبان على حمار، ولم يشعر بهما، فقيل له: إنك جاوزت أمير المؤمنين، فرجع، فلما رأى عمر ترجل وجعل يقول له ما ذكرنا، فقال عبد الرحمن بن عوف: ما أحسن ما صدر عما أوردته فيه يا أمير المؤمنين!؟ فقال: من أجل ذلك جشمناه ما جشمناه.

وقال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد: أخبرنا محمد بن ذئب عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال: قدم علينا معاوية وهو أبيض نص وبّاص، أبضّ الناس وأجملهم، فخرج إلى الحج مع عمر، فكان عمر ينظر إليه فيعجب منه، ثم يضع إصبعه على متن معاوية ثم يرفعها عن مثل الشراك، فيقول: بخ بخ، نحن إذاً خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة. فقال معاوية:

يا أمير المؤمنين سأحدثك أنا بأرض الحمامات والريف والشهوات، فقال عمر: سأحدثك ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك، وذوو الحاجات وراء الباب.

فقال: يا أمير المؤمنين علمني أمتثل. قال: فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها، فوجد عمر منها ريحاً كأنه ريح طيب، فقال: يعمد أحدكم فيخرج حاجا مقلا حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما؟! فقال معاوية: إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتي وقومي، والله لقد بلغني أذاك هاهنا وبالشام، فالله يعلم أنى لقد عرفت الحياء فيه، ثم نزع معاوية ثوبيه ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما.

وقال أبو بكر بن أبى الدنيا: حدثني أبى عن هشام بن محمد عن أبى عبد الرحمن المدني. قال:

كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب. وهكذا حكى المدائني عن عمر أنه قال ذلك. وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده. قال: دخل معاوية على عمر وعليه حلة خضراء، فنظر إليها الصحابة، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدرة فجعل يضربه بها، وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين الله الله في، فرجع عمر إلى مجلسه فقال له القوم: لم ضربته يا أمير المؤمنين؟ وما في قومك مثله؟ فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خير، ولو بلغني غير ذلك لكان منى إليه غير ما رأيتم، ولكن رأيته - وأشار بيده - فأحببت أن أضع منه ما شمخ. وقد قال أبو داود:

حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيّ ثنا يحيى بن حمزة ثنا ابن أبى مريم أن القاسم بن مخيمرة أخبره أن أبا مريم الأزدي أخبره. قال: دخلت على معاوية فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان - وهي كلمة تقولها

<<  <  ج: ص:  >  >>