للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين، فيقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق» فكانت المارقة الخوارج، وقتلهم على وأصحابه، ثم قتل على فاستقل معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين، وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ويأمر رجلا من قومه فيحج بالناس، وحج هو سنة خمسين، وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين. وفيها أوفى التي بعدها أغزاه بلاد الروم [فسار معه خلق كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القسطنطينية، وقد ثبت في الصحيح: «أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم».] (١) وقال وكيع عن الأعمش عن أبى صالح. قال: كان الحادي يحدو بعثمان فيقول:

إن الأمير بعده على … وفي الزبير خلف مرضى

فقال كعب: بل هو صاحب البغلة الشهباء - يعنى معاوية - فقال: يا أبا إسحاق تقول هذا وهاهنا على والزبير وأصحاب محمد ؟ فقال: أنت صاحبها. ورواه سيف عن بدر بن الخليل عن عثمان ابن عطية الأسدي عن رجل من بنى أسد. قال: ما زال معاوية يطمع فيها منذ سمع الحادي في أيام عثمان يقول:

إن الأمير بعده على … وفي الزبير خلف مرضى

فقال كعب: كذبت! بل صاحب البغلة الشهباء بعده - يعنى معاوية - فقال له معاوية في ذلك فقال: نعم! أنت الأمير بعده، ولكنها والله لا تصل إليك حتى تكذب بحديثي هذا، فوقعت في نفس معاوية.

وقال ابن أبى الدنيا: حدثنا محمد بن عباد المكيّ ثنا سفيان بن عيينة عن أبى هارون قال قال عمر: إياكم والفقرة بعدي، فان فعلتم فان معاوية بالشام، وستعلمون إذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها دونكم. ورواه الواقدي من وجه آخر عن عمر . وقد روى ابن عساكر عن عامر الشعبي أن عليا حين بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية قبل وقعة صفين - وذلك حين عزم عليّ على قصد الشام، وجمع الجيوش لذلك - وكتب معه كتابا إلى معاوية يذكر له فيه أنه قد لزمته بيعته، لانه قد بايعه المهاجرون والأنصار، فان لم تبايع استعنت بالله عليك وقاتلتك. وقد أكثرت القول في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إلى أحملك وإياهم على كتاب الله، في كلام طويل. وقد قدمنا أكثره، فقرأه معاوية على الناس وقام جرير فخطب الناس، وأمر في خطبته معاوية بالسمع والطاعة، وحذره من المخالفة والمعاندة، ونهاه عن إيقاع الفتنة بين الناس، وأن يضرب بعضهم بعضا بالسيوف. فقال معاوية: انتظر حتى آخذ رأى أهل الشام، فلما كان بعد ذلك أمر معاوية مناديا فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر فخطب فقال: «الحمد لله الّذي جعل الدعائم للإسلام أركانا، والشرائع للايمان برهانا، يتوقد مصباحه


(١) سقط من نسخة طوب قبو بالأستانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>