للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسنة في الأرض المقدسة التي جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده، فأحلها أهل الشام ورضيهم لها، ورضيها لهم، لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم أولياءه فيها، والقوام بأمره، الذابين عن دينه وحرماته، ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما، وفي أعلام الخير عظاما، يردع الله بهم الناكثين، ويجمع بهم الألفة بين المؤمنين، والله نستعين على إصلاح ما تشعث من أمور المسلمين، وتباعد بينهم بعد القرب والألفة، اللهمّ انصرنا على قوم يوقظون نائما، ويخيفون آمنا، ويريدون هراقة دمائنا، وإخافة سبلنا، وقد يعلم الله أنا لا نريد لهم عقابا، ولا نهتك لهم حجابا، غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى، وسقط الندى، وعرف الهدى، وقد علمنا أن الّذي حملهم على خلافنا البغي والحسد لنا، فالله نستعين عليهم. أيها الناس! قد علمتم أنى خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأنى خليفة أمير المؤمنين عثمان عليكم، وأنى لم أقم رجلا منكم على خزاية قط، وإني ولى عثمان وابن عمه، قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً﴾ وقد علمتم أنه قتل مظلوما، وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.

فقال أهل الشام بأجمعهم: بل نطلب بدمه، فأجابوه إلى ذلك وبايعوه، ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم، أو يدركوا بثأره، أو يفنى الله أرواحهم قبل ذلك، فلما رأى جرير من طاعة أهل الشام لمعاوية ما رأى، أفزعه ذلك، وعجب منه. وقال معاوية لجرير: إن ولانى على الشام ومصر بايعته على أن لا يكون لأحد بعده على بيعة،

فقال: اكتب إلى على بما شئت، وأنا أكتب معك، فلما بلغ عليا الكتاب قال: هذه خديعة، وقد سألني المغيرة بن شعبة أن أولى معاوية الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك (وما كنت متخذ المضلين عضدا) ثم كتب إلى جرير بالقدوم عليه، فما قدم إلا وقد اجتمعت العساكر إلى على، وكتب معاوية إلى عمرو بن العاص - وكان معتزلا بفلسطين حين قتل عثمان - وكان عثمان قد عزله عن مصر فاعتزل بفلسطين، فكتب إليه معاوية يستدعيه ليستشيره في أموره فركب إليه فاجتمعا على حرب على. وقد قال عقبة بن أبى معيط في كتاب معاوية إلى على حين سأله نيابة الشام ومصر، فكتب إلى معاوية يؤنبه ويلومه على ذلك ويعرض بأشياء فيه.

معاوي إن الشام شامك فاعتصم … بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا

فان عليا ناظر ما تجيبه … فأهد له حربا يشيب النواصيا

وحام عليها بالقتال وبالقنا … ولاتك مخشوش الذراعين وانيا

وإلا فسلّم إن في الأمن راحة … لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا

<<  <  ج: ص:  >  >>