فلما دخلت عليه - حسبت أنه قال سلمت عليه - فقال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال قلت: ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له، فقال: لتكلمني بذات نفسك، قال: فلم أدع شيئا أعيبه عليه إلا أخبرته به، فقال: لا تبرأ من الذنوب، فهل لك من ذنوب تخاف أن تهلكك إن لم يغفرها الله لك؟ قال: قلت: نعم! إن لي ذنوبا إن لم تغفرها هلكت بسببها، قال: فما الّذي يجعلك أحق بأن ترجو أنت المغفرة منى، فو الله لما إلى من إصلاح الرعايا وإقامة الحدود والإصلاح بين الناس والجهاد في سبيل الله والأمور العظام التي لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر مما تذكر من العيوب والذنوب، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو عن السيئات، والله على ذلك ما كنت لأخيّر بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه، قال: ففكرت حين قال لي ما قال فعرفت أنه قد خصمنى. قال: فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير. وقد رواه شعيب عن الزهري عن عروة عن المسور بنحوه.
وقال ابن دريد عن أبى حاتم عن العتبى قال قال معاوية: يا أيها الناس! ما أنا بخيركم وإن منكم لمن هو خير منى، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما من الأفاضل، ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية، وأنكاكم في عدوكم، وأدركم حلبا. وقد رواه أصحاب محمد عن ابن سعد عن محمد بن مصعب عن أبى بكر بن أبى مريم عن ثابت مولى معاوية أنه سمع معاوية يقول نحو ذلك.
وقال هشام بن عمار خطيب دمشق: حدثنا عمرو بن واقد ثنا يونس بن حلبس قال سمعت معاوية على منبر دمشق يوم جمعة يقول: أيها الناس اعقلوا قولي، فلن تجدوا أعلم بأمور الدنيا والآخرة منى، أقيموا وجوهكم وصفوفكم في الصلاة، أو ليخالفن الله بين قلوبكم، خذوا على أيدي سفهائكم أو ليسلطن الله عليكم عدوكم فليسومنكم سوء العذاب. تصدقوا ولا يقولن الرجل إني مقل، فإن صدقة المقل أفضل من صدقة الغنى، إياكم وقذف المحصنات، وإن يقول الرجل: سمعت وبلغني، فلو قذف أحدكم امرأة على عهد نوح لسئل عنها يوم القيامة. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا يزيد ابن طهمان الرقاشيّ ثنا محمد بن سيرين. قال: كان معاوية إذا حدث عن رسول الله ﷺ لم يتهم.
ورواه أبو القاسم البغوي عن سويد بن سعيد عن همام بن إسماعيل عن أبى قبيل. قال: كان معاوية يبعث رجلا يقال له أبو الجيش في كل يوم فيدور على المجالس يسأل هل ولد لأحد مولود؟ أو قدم أحد من الوفود؟ فإذا أخبر بذلك أثبت في الديوان - يعنى ليجرى عليه الرزق - وقال غيره: كان معاوية متواضعا ليس له مجالد إلا كمجالد الصبيان التي يسمونها المخاريق فيضرب بها الناس. وقال هشام بن عمار عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة بن حلبس. قال: رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف وراءه وصفيا عليه قميص مرقوع الجيب، وهو يسير في أسواق دمشق، وقال