للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاذبا في قوله إن للعالم ربا غيري والثاني في دعواه أن الله أرسله. والأول أشبه بظاهر حال فرعون فإنه كان ينكر ظاهر إثبات الصانع والثاني أقرب الى اللفظ حيث قال ﴿فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى﴾ أي فاسأله هل أرسله أم لا ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً﴾ أي في دعواه ذلك. وإنما كان مقصود فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى وان يحثهم على تكذيبه قال الله تعالى ﴿وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ وقرئ ﴿وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ﴾ قال ابن عباس ومجاهد يقول الا في خسار أي باطل لا يحصل له شيء من مقصوده الّذي رامه فإنه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم الى نيل السماء أبدا أعنى السماء الدنيا فكيف بما بعدها من السموات العلى وما فوق ذلك من الارتفاع الّذي لا يعلمه إلا الله ﷿. وذكر غير واحد من المفسرين أن هذا الصرح وهو القصر الّذي بناه وزيره هامان له لم ير بناء أعلى منه وان كان مبنيا من الآجر المشوي بالنار ولهذا قال ﴿فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً﴾.

وعند أهل الكتاب أن بنى إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن وكان مما حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون اليه فيه بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه ويصلب منهم كل يوم قسط معين إن لم يفعلوه والا ضربوا وأهينوا غاية الإهانة وأوذوا غاية الأذية. ولهذا قالوا لموسى ﴿أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ فوعدهم بأن العاقبة لهم على القبط وكذلك وقع وهذا من دلائل النبوة * ولنرجع الى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه قال الله تعالى ﴿وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اِتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ * يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ يدعوهم الى طريق الرشاد والحق وهي متابعة نبي الله موسى وتصديقه فيما جاء به من ربه ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية المنقضية لا محالة ورغبهم في طلب الثواب عند الله الّذي لا يضيع عمل عامل لديه. القدير الّذي ملكوت كل شيء بيديه الّذي يعطى على القليل كثيرا ومن عدله لا يجازى على السيئة الا مثلها. وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار التي من وافاها مؤمنا قد عمل الصالحات فلهم الجنات العاليات والغرف الآمنات والخيرات الكثيرة الفائقات والأرزاق الدائمة التي لا تبيد. والخير الّذي كل ما لهم منه في مزيد.

ثم شرع في إبطال ما هم عليه وتخويفهم مما يصيرون اليه فقال ﴿وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ * لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>