فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ ٥: ٢١ أَيْ فَتَخْسَرُوا بَعْدَ الرِّبْحِ وَتَنْقُصُوا بَعْدَ الْكَمَالِ قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ ٥: ٢٢ أَيْ عُتَاةً كَفَرَةً مُتَمَرِّدِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ ٥: ٢٢ خَافُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَبَّارِينَ وَقَدْ عَايَنُوا هَلَاكَ فِرْعَوْنَ وَهُوَ أَجْبَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَشَدُّ بَأْسًا وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَأَعْظَمُ جُنْدًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَلُومُونَ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَمَذْمُومُونَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنَ الذِّلَّةِ عَنْ مُصَاوَلَةِ الْأَعْدَاءِ وَمُقَاوَمَةِ الْمَرَدَةِ الْأَشْقِيَاءِ.
وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ هَاهُنَا آثَارًا فِيهَا مُجَازَفَاتٌ كَثِيرَةٌ بَاطِلَةٌ يَدُلُّ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ عَلَى خِلَافِهَا مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَشْكَالًا هَائِلَةً ضِخَامًا جِدًّا حَتَّى إِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ رُسُلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِمْ تَلَقَّاهُمْ رَجُلٌ مِنْ رُسُلِ الْجَبَّارِينَ فَجَعَلَ يأخذهم واحدا واحدا ويلفهم في أكمامه وحجرة سَرَاوِيلِهِ وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَجَاءَ بِهِمْ فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْجَبَّارِينَ فَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ حتى عرفوه وكل هذه هذيانات وخرفات لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَأَنَّ الْمَلِكَ بَعَثَ مَعَهُمْ عِنَبًا كُلُّ عِنَبَةٍ تَكْفِي الرَّجُلَ وَشَيْئًا مِنْ ثِمَارِهِمْ لِيَعْلَمُوا ضَخَامَةَ أَشْكَالِهِمْ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَذَكَرُوا هَاهُنَا أَنَّ عُوجَ بْنَ عُنُقَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْجَبَّارِينَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيُهْلِكَهُمْ وَكَانَ طُولُهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَثُلْثَ ذِرَاعٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا) ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ قَالُوا فَعَمَدَ عُوجُ إِلَى قِمَّةِ جَبَلٍ فَاقْتَلَعَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا بِيَدَيْهِ لِيُلْقِيَهَا عَلَى جَيْشِ مُوسَى فَجَاءَ طَائِرٌ فَنَقَرَ تِلْكَ الصَّخْرَةَ فَخَرَقَهَا فَصَارَتْ طَوْقًا فِي عُنُقِ عُوجَ بْنِ عُنُقَ. ثُمَّ عَمَدَ مُوسَى إِلَيْهِ فَوَثَبَ فِي الْهَوَاءِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَطُولُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَبِيَدِهِ عَصَاهُ وَطُولُهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَصَلَ إِلَى كَعْبِ قَدَمِهِ فَقَتَلَهُ. يُرْوَى هذا عن عوف الْبِكَالِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي إِسْنَادِهِ إِلَيْهِ نَظَرٌ ثُمَّ هُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَكُلُّ هَذِهِ مِنْ وَضْعِ جُهَّالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنَّ الْأَخْبَارَ الْكِذْبَةَ قد كثرت عندهم ولا تميز لهم بين صحتها وَبَاطِلِهَا. ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَعْذُورِينَ فِي النُّكُولِ عَنْ قِتَالِهِمْ وَقَدْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ عَلَى نُكُولِهِمْ وَعَاقَبَهُمْ بِالتِّيهِ عَلَى تَرْكِ جِهَادِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ رَسُولَهُمْ وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ مِنْهُمْ بِالْإِقْدَامِ وَنَهَيَاهُمْ عَنِ الْإِحْجَامِ وَيُقَالُ إِنَّهُمَا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بن يوقنا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَطِيَّةُ وَالسُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ رَجُلانِ من الَّذِينَ يَخافُونَ ٥: ٢٣ أَيْ يَخَافُونَ اللَّهَ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ يُخَافُونَ أَيْ يهابون أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا ٥: ٢٣ أَيْ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالشَّجَاعَةِ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ. وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٥: ٢٣ أَيْ إِذَا تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ وَاسْتَعَنْتُمْ بِهِ وَلَجَأْتُمْ إِلَيْهِ نَصَرَكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ وَأَيَّدَكُمْ عَلَيْهِمْ وأظفركم بهم.
قالُوا يَا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ٥: ٢٤ فصمم ملؤهم على النكول عَنِ الْجِهَادِ وَوَقَعَ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَوَهَنٌ كَبِيرٌ. فَيُقَالُ إِنَّ يُوشَعَ وَكَالِبَ لَمَّا سَمِعَا هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute