للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزهري يقول: على بن الحسين أعظم الناس على منة.

وقال سفيان بن عيينة كان على بن الحسين يقول: لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، وما اصطحب اثنان على معصية إلا أوشك أن يفترقا على غير طاعة. وذكروا أنه زوج أمه من مولى له وأعتق أمه فتزوجها فأرسل إليه عبد الملك يلومه في ذلك، فكتب إليه ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾ وقد أعتق صفية فتزوجها، وزوج مولاه زيد بن حارثة من بنت عمه زينب بنت جحش.

قالوا: وكان يلبس في الشتاء خميصة من خز بخمسين دينارا، فإذا جاء الصيف تصدق بها، ويلبس في الصيف الثياب المرقعة ودونها ويتلو قوله تعالى ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.

(وقد روى من طرق ذكرها الصولي والجريريّ وغير واحد أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه وأخيه الوليد، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل على بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة واحتراما، وهو في بزة حسنة، وشكل مليح، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه - استنقاصا به واحتفارا؟ لئلا يرغب فيه أهل الشام - فقال الفرزدق - وكان حاضرا - أنا أعرفه، فقالوا: ومن هو؟ فأشار الفرزدق يقول:

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته … والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم … هذا التقى النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها … إلى مكارم هذا ينتهى الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت … عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته … ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضى حياء ويغضى من مهابته … فما يكلم إلا حين يبتسم

بكفه خيزران ريحها عبق … من كف أروع في عرنينه شمم

مشتقة من رسول الله نبعته … طابت عناصرها والخيم والشيم

ينجاب نور الهدى من نور غرته … كالشمس ينجاب عن إشراقها الغيم

حمال أثقال أقوام إذا فدحوا … حلو الشمائل تحلو عنده نعم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله … بجده أنبياء الله قد ختموا

من جده دان فضل الأنبياء له … وفضل أمته دانت لها الأمم

<<  <  ج: ص:  >  >>