للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في مظنة أن يعادى وينال منه ولكن له العاقبة ولهذا أمره بالصبر على ذلك ومعلوم أن عاقبة الصبر الفرج وقوله ﴿إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ التي لا بد منها ولا محيد عنها.

وقوله ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك ويزيد بن الأصم وأبو الجوزاء وغير واحد معناه لا تتكبر على الناس وتميل خدك حال كلامك لهم وكلامهم لك على وجه التكبر عليهم والازدراء لهم. قال أهل اللغة وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها فتلتوى رءوسها فشبه به الرجل المتكبر الّذي يميل وجهه إذا كلم الناس أو كلموه على وجه التعظم عليهم قال أبو طالب في شعره

وكنا قديما لا نقر ظلامة … إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها

وقال عمرو بن حيي التغلبي

وكنا إذا الجبار صعر خده … أقمنا له من ميله فتقوما

وقوله ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ ينهاه عن التبختر في المشية على وجه العظمة والفخر على الناس كما قال تعالى ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً﴾. يعنى لست بسرعة مشيك تقطع البلاد في مشيتك هذه ولست بدقك الأرض برجلك تخرق الأرض بوطئك عليها ولست بتشامخك وتعاظمك وترفعك تبلغ الجبال طولا فاتئد على نفسك فلست تعدو قدرك. وقد ثبت في الحديث بينما رجل يمشى في برديه يتبختر فيهما إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلل فيها الى يوم القيامة وفي الحديث الآخر (إياك وإسبال الازار فإنها من المخيلة لا يحبها الله) كما قال في هذه الآية ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ ولما نهاه عن الاختيال في المشي أمره بالقصد فيه فإنه لا بد له أن يمشى فنهاه عن الشر وأمره بالخير فقال واقصد في مشيك أي لا تتباطأ مفرطا ولا تسرع اسراعا مفرطا ولكن بين ذلك قواما كما قال تعالى ﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً﴾ ثم قال ﴿وَاُغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ يعنى إذا تكلمت لا تتكلف رفع صوتك فان أرفع الأصوات وأنكرها صوت الحمير. وقد ثبت في الصحيحين الأمر بالاستعاذة عند سماع صوت الحمير بالليل فإنها رأت شيطانا ولهذا نهى عن رفع الصوت حيث لا حاجة اليه ولا سيما عند العطاس فيستحب خفض الصوت وتخمير الوجه كما ثبت به الحديث من صنيع رسول الله فاما رفع الصوت بالأذان وعند الدعاء الى الفئة للقتال وعند الإهلاك ونحو ذلك فذلك مشروع فهذا مما قصه الله تعالى عن لقمان في القرآن من الحكم والوصايا النافعة الجامعة للخير المانعة من الشر وقد وردت آثار كثيرة في أخباره ومواعظه وقد كان له كتاب يؤثر عنه يسمى بحكمة لقمان ونحن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى.

قال الامام أحمد حدثنا على بن إسحاق أنبأنا ابن المبارك أنبأنا سفيان أخبرنى نهيك بن يجمع الضبيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>