قول جبريل (اقرأ) فقال: «ما أنا بقارئ» فالصحيح ان قوله «ما أنا بقارئ» نفى أي لست ممن يحسن القراءة. وممن رجحه النووي وقبله الشيخ أبو شامة. ومن قال إنها استفهامية فقوله بعيد لأن الباء لا تزاد في الإثبات. ويؤيد الأول
رواية أبى نعيم من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه: فقال رسول الله ﷺ وهو خائف يرعد - «ما قرأت كتابا قط ولا أحسنه وما أكتب وما أقرأ» فأخذه جبريل فغتّه غتا شديدا. ثم تركه فقال: له اقرأ. فقال محمد ﷺ«ما أرى شيئا أقرأه، وما أقرأ، وما أكتب» يروى فغطني كما في الصحيحين وغتنى ويروى قد غتنى أي خنقني «حتى بلغ منى الجهد» يروى بضم الجيم وفتحها وبالنصب وبالرفع. وفعل به ذلك ثلاثا.
قال أبو سليمان الخطابي: وإنما فعل ذلك به ليبلو صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة، ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم وتأخذه الرحضاء أي البهر والعرق. وقال غيره: إنما فعل ذلك لأمور: منها أن يستيقظ لعظمة ما يلقى اليه بعد هذا الصنيع المشق على النفوس. كما قال تعالى ﴿إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ ولهذا كان ﵊ إذا جاءه الوحي يحمر وجهه ويغطّ كما يغط البكر من الإبل ويتفصّد جبينه عرقا في اليوم الشديد البرد.
وقوله فرجع بها رسول الله ﷺ إلى خديجة يرجف فؤاده. وفي رواية: بوادره، جمع بادرة قال أبو عبيدة: وهي لحمة بين المنكب والعنق. وقال غيره: هو عروق تضطرب عند الفزع وفي بعض الروايات ترجف بآدله واحدتها بادلة. وقيل بادل. وهو ما بين العنق والترقوة وقيل أصل الثدي.
وقيل لحم الثديين وقيل غير ذلك.
فقال:«زملوني زملوني» فلما ذهب عنه الروع قال لخديجة: «ما لي؟ أي شيء عرض لي؟» وأخبرها ما كان من الأمر. ثم قال:«لقد خشيت على نفسي» وذلك لأنه شاهد أمرا لم يعهده قبل ذلك، ولا كان في خلده. ولهذا قالت خديجة: ابشر، كلا والله لا يخزيك الله أبدا. قيل من الخزي، وقيل من الحزن، وهذا لعلمها بما أجرى الله به جميل العوائد في خلقه أن من كان متصفا بصفات الخير لا يخزي في الدنيا ولا في الآخرة ثم ذكرت له من صفاته الجليلة ما كان من سجاياه الحسنة. فقالت: إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث - وقد كان مشهورا بذلك صلوات الله وسلامه عليه عند الموافق والمفارق - وتحمل الكلّ. أي عن غيرك تعطى صاحب العيلة ما يريحه من ثقل مؤنة عياله - وتكسب المعدوم أي تسبق إلى فعل الخير فتبادر إلى إعطاء الفقير فتكسب حسنته قبل غيرك. ويسمى الفقير معدوما لأن حياته ناقصة. فوجوده وعدمه سواء كما قال بعضهم: