وقال أبو الحسن التهامي، فيما نقله عنه القاضي عياض في شرح مسلم:
عدّ ذا الفقر ميّتا وكساه … كفنا باليا ومأواه قبرا
وقال الخطابي: الصواب (وتكسب المعدم) أي تبذل اليه أو يكون تلبس العدم بعطية مالا يعيش به. واختار شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي أن المراد بالمعدوم هاهنا المال المعطى، أي يعطى المال لمن هو عادمه. ومن قال إن المراد إنك تكسب باتجارك المال المعدوم، أو النفيس القليل النظير، فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما ليس له به علم، فان مثل هذا لا يمدح به غالبا، وقد ضعّف هذا القول عياض والنووي وغيرهما والله أعلم.
وتقرى الضيف - أي تكرمه في تقديم قراه، وإحسان مأواه. وتعين على نوائب الحق ويروى الخير، أي إذا وقعت نائبة لأحد في خير أعنت فيها، وقمت مع صاحبها حتى يجد سدادا من عيش أو قواما من عيش، وقوله: ثم أخذته فانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل. وكان شيخا كبيرا قد عمى. وقد قدّمنا طرفا من خبره مع ذكر زيد بن عمرو بن نفيل ﵀. وانه كان ممن تنصّر في الجاهلية ففارقهم وارتحل إلى الشام، هو وزيد بن عمرو وعثمان بن الحويرث، وعبيد الله بن جحش فتنصّروا كلهم، لأنهم وجدوه أقرب الأديان إذ ذاك إلى الحق، إلاّ زيد بن عمرو بن نفيل فإنه رأى فيه دخلا وتخبيطا وتبديلا وتحريفا وتأويلا. فأبت فطرته الدخول فيه أيضا، وبشروه الأحبار والرهبان بوجود نبي قد أزف زمانه واقترب أوانه، فرجع يتطلب ذلك، واستمر على فطرته وتوحيده. لكن اخترمته المنية قبل البعثة المحمدية. وأدركها ورقة بن نوفل وكان يتوسّمها في رسول الله ﷺ كما قدمنا بما كانت خديجة تنعته له وتصفه له، وما هو منطو عليه من الصفات الطاهرة الجميلة وما ظهر عليه من الدلائل والآيات، ولهذا لما وقع ما وقع أخذت بيد رسول الله ﷺ وجاءت به اليه فوقفت به عليه. وقالت: ابن عم اسمع من ابن أخيك، فلما قص عليه رسول الله ﷺ خبر ما رأى قال ورقة: سبّوح سبّوح، هذا الناموس الّذي أنزل على موسى، ولم يذكر عيسى وإن كان متأخرا بعد موسى، لأنه كانت شريعته متممة ومكملة لشريعة موسى ﵉، ونسخت بعضها على الصحيح من قول العلماء. كما قال ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾. وقول ورقة هذا كما قالت الجن: ﴿يا قَوْمَنا إِنّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. ثم
قال ورقة: يا ليتني فيها جذعا. أي ياليتنى أكون اليوم شابا متمكنا من الايمان والعلم النافع والعمل الصالح، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك يعنى حتى أخرج معك وأنصرك؟ فعندها قال رسول الله ﷺ:«أو مخرجيّ هم؟» قال السهيليّ وانما قال ذلك، لأن فراق الوطن شديد على النفوس، فقال: نعم! انه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن