للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك: إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجئوا إلى بلادك، وقد بعثنا إليك فيهم عشائرهم، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم، فإنهم أعلا بهم عينا، فإنهم لن يدخلوا في دينك فتمنعهم لذلك. فغضب ثم قال: لا لعمر الله! لا أردهم عليهم حتى أدعوهم، فأكلمهم وانظر ما أمرهم، قوم لجئوا الى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري فان كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، وان كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعم عينا -[وذكر موسى بن عقبة أن أمراءه أشاروا عليه بان يردهم اليهم. فقال: لا والله! حتى اسمع كلامهم واعلم على أي شيء هم عليه؟ فلما دخلوا عليه سلموا ولم يسجدوا له. فقال: أيها الرهط ألا تحدثوني ما لكم لا تحيونى كما يحييني من أتانا من قومكم؟ فأخبروني ماذا تقولون في عيسى وما دينكم؟ أنصارى أنتم؟ قالوا: لا. قال أفيهود أنتم؟ قالوا: لا. قال: فعلى دين قومكم؟ قالوا: لا. قال فما دينكم؟ قالوا الإسلام. قال وما الإسلام؟ قالوا نعبد الله لا نشرك به شيئا. قال: من جاءكم بهذا؟ قالوا جاءنا به رجل من أنفسنا، قد عرفنا وجهه ونسبه، بعثه الله إلينا كما بعث الرسل الى من قبلنا، فأمرنا بالبر والصدقة والوفاء وأداء الأمانة، ونهانا أن نعبد الأوثان وأمرنا بعبادة الله وحده لا شريك له، فصدقناه وعرفنا كلام الله وعلمنا أن الّذي جاء به من عند الله، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا وعادوا النبي الصادق وكذبوه وأرادوا قتله، وأرادونا على عبادة الأوثان، ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا. قال: والله إن هذا لمن المشكاة التي خرج منها أمر موسى. قال جعفر: وأما التحية فان رسول الله أخبرنا أن تحية أهل الجنة السلام، وأمرنا بذلك فحييناك بالذي يحيى بعضنا بعضا. واما عيسى ابن مريم فعبد الله ورسوله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه وابن العذراء البتول. فاخذ عودا وقال: والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود. فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت الحبشة لتخلعنك. فقال: والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا، وما أطاع الله الناس في حين رد على ملكي فأطع الناس في دين الله. معاذ الله من ذلك. وقال يونس عن ابن إسحاق (١)] فأرسل اليهم النجاشي فجمعهم ولم يكن شيء أبغض لعمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقالوا ماذا تقولون؟ فقالوا وماذا نقول، نقول والله ما نعرف، وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا كائن من ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الّذي يكلمه منهم جعفر بن أبى طالب . فقال له النجاشي: ما هذا الدين الّذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية، ولا نصرانية. فقال له جعفر: أيها الملك كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان ونأكل الميتة ونسيء الجوار، يستحل المحارم بعضنا من


(١) ما بين المربعين زيادة من النسخة المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>