للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره.

قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت: أمن عندك. يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا. بل من عند الله» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك.

قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك.

فهو خير لك» . قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله! إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق. وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا أحسن ممّا أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (٩/ التوبة/ ١١٧- ١١٨) حتّى بلغ:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (٩/ التوبة/ ١١٩) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩/ التوبة/ ٩٥- ٩٦) . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم.

وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه.

فبذلك قال الله عزّ وجلّ: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «١»

٣٢-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم


(١) البخاري- الفتح ٧ (٤٤١٨) ، ومسلم (٢٧٦٩) واللفظ له.