للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «١» لي دمع ولا أكتحل بنوم «٢» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «٣» . يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ.

فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت:

فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة، فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة:

والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «٤» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن»

فتأكله.

قالت فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «٦» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «٧» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «٨» ، حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت:

وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.

ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينماهما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.

وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت:

فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا.

فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب


(١) لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(٢) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(٣) استلبث الوحي: أي أبطأ ولبث ولم ينزل.
(٤) أغمصه: أي أعيبها به، وإن رأيت: معناها ما رأيت.
(٥) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(٦) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني والعذير الناصر.
(٧) اجتهلته الحمية: أي أغضبته وحملته على الجهل.
(٨) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.