للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشاهد الأول وهو الآيات ١٠٥- ١١٣ من سورة النساء) مبرّءة ساحة هذا اليهوديّ ومنصفة.

يقول أحد العلماء المعاصرين معلّقا على هذه الواقعة: يا لله! إنّه الإسلام! الإسلام وحده في تاريخ البشريّة كلّه. وغير الإسلام لم يكن ضميره ليتحرك لتبرئة متّهم ينتمي إلى قوم بينه وبينهم كلّ ذلك العداء.

ألا إنّها القمّة السّامقة الّتي لا يقيمها ابتداء إلّا الإسلام، ولا يرقاها إلّا المسلمون في كلّ التّاريخ.

لقد كانت كلّ الظّروف «مشجّعة» على اتّهام ذلك اليهوديّ وتبرئة ذلك المنافق الّذي ينتمي ولو شكلا إلى الإسلام!.

فالعداوة بين المسلمين واليهود قائمة في المدينة، وكيد اليهود للمسلمين قائم واضح للعيان.

إلّا أنّ الإسلام ما جاء ليتستّر على انحرافات البشريّة أو يتسامح مع شيء منها! وما جاء ليجاري الجاهليّات فيما تقع فيه من انحراف. وإنّما جاء لينشأ الإنسان الصّالح في الأرض.

إنّها ليست حادثا عارضا يمرّ فينسى، إنّها درس هائل في التّربية على الأفق الأعلى لا يقدّمه إلّا الإسلام، ولا يقدر عليه إلّا المسلمون. وإنّه لدرس في التّطبيق العمليّ للإنصاف الإلهيّ والعدل الرّبّانيّ الّذي لم تعرفه أمة في التّاريخ، إلّا الأمّة الّتي ربّاها القرآن الكريم. تسع آيات كريمة تنزل لكشف ذلك المنافق الّذي انضمّ إلى المشركين بعد فضحه، ولتبرئة ساحة ذلك اليهوديّ، وما كان الإسلام ليتألّف قلب المنافق لأنّه يحمل اسما مسلما على حساب الإنصاف والعدل الّذي يريد إقامتهما في الأرض نبراسا لكلّ البشريّة.. لقد ذهب ابن أبيرق مع الشّيطان، وبقي ذلك الدّرس الرّبّانيّ الخالد درسا وعاه المسلمون وحفظوه، لتتعلّمه البشريّة منهم يوم تفيء إلى رشدها وتحبّ أن تعرف «١» الطّريق إلى ما فيه خيرها وسعادتها «٢» .

ومع أنّ هؤلاء اليهود هم أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا إلّا أنّ هذه العداوة لم تمنع القرآن الكريم من إنصافهم إن هم أحسنوا أو أحسن بعضهم، ومن مظاهر هذا الإنصاف ثناؤه عزّ وجلّ على بني إسرائيل ثناء عظيما، يبلغ بهم ذروة شاهقة من الرّضا والتّقدير، كما قال تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ


(١) دراسات قرآنية (٤٦٦- ٤٦٩) بتصرف وايجاز.
(٢) أين هذا ممّا نشاهده في عالمنا المعاصر من ازدواجية في الحكم على الناس وعلى أعمالهم؟ إنّ ازدواجية المعايير هذه قد أورثت كثيرا من النفوس حقدا ومرارة على الظالمين والطغاة الذين لا يعرفون معنى الإنصاف، وكان من آثار ذلك ما نشاهده اليوم من أعمال إرهابية طائشة لا تفرق بين ظالم ومظلوم. ليت اليهود ومن يوالونهم يطبقون على غيرهم ما طبقه القرآن الكريم عليهم منذ خمسة عشر قرنا من الزمان فينصفون المسلمين الذين أوقعهم حظهم التعس تحت سيطرتهم، ويعاملونهم بما عاملهم به المسلمون يوما ما- ولا يزالون- متأسين بروح القرآن الكريم. إنه لا خلاص للعالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه إلا بالتحلي بروح الإنصاف وإقامة العدل بين الناس جميعا بغض النظر عن جنسياتهم ودياناتهم وألوانهم، وإذا تم ذلك بالفعل جفت منابع الإرهاب وانقطعت حجة الإرهابيين، ونعم العالم كله بالسلام وساده الأمن والأمان، وما ذلك على الله- عز وجل- بعزيز.