للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الّتي يمشي بها «١» . وإن سألني لأعطينّه، وإن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «٢» .

٨-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية «٣» شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: «أنا نازل» ثمّ قام وبطنه معصوب «٤» بحجر ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا «٥» أهيل «٦» أو أهيم فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق فذبحت العناق «٧» وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «٨» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ «٩» قد كادت أن تنضج. فقلت:

طعيّم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان.

قال: «كم هو؟» فذكرت له فقال: «كثير طيّب» قال:

«قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي، فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت:

نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا وأهدي فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «١٠» .

٩-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربعة» . وفي لفظ لمسلم: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثّمانية» ) * «١١» .

١٠-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-


(١) معنى قوله: «كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» : قال الحافظ في الفتح: وقد استشكل كيف يكون البارئ جل وعلا سمع العبد، وبصره ... إلخ. والجواب من أوجه: أحدها: أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى: كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح وقال الخطابي: هذه أمثال، والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها، بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله، وإلى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي. انظر الفتح (١١/ ٣٥٢) وما بعدها بتصرف يسير.
(٢) البخاري- الفتح ١١ (٦٥٠٢) .
(٣) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض.
(٤) معصوب: مربوط.
(٥) كثيبا: رملا.
(٦) أهيل: غير متماسك. وأهيم بمعنى أهيل.
(٧) العناق: أنثى المعز.
(٨) البرمة: القدر.
(٩) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدور.
(١٠) البخاري ٧ (٤١٠١) .
(١١) البخاري- الفتح ٩ (٥٣٩٢) ، مسلم (٢٠٥٨، ٢٠٥٩) .