للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التّوكّل على الله وحده ونحوه مثل حبّ الله ورسوله، وحبّ ما يحبّه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده «١» كانت أعمال القلب من الحبّ والإخلاص والخشية والتّوكّل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت هذه الأخلاق الفاضلة ونحوها داخلة في الإيمان، وأمّا البدن فلا يمكن أن يتخلّف عن مراد القلب، لأنّه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضّرورة، ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب» ، وقال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده.

إنّه إذا كان عمل القلب من الأمور الباطنة، وعمل الجسد من الأمور الظّاهرة، فإنّ الظّاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظّاهر، وإذا فسد فسد، ولهذا قال من قال من الصّحابة عن المصلّي العابث: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه «٢» ، وهكذا فإنّه لمّا كانت الطّاعات كلّها داخلة في الإيمان لم يفرّق الله عزّ وجلّ بينها وبينه في قوله سبحانه:

حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ (الحجرات/ ٧) ، فأدخل في الإيمان جميع الطّاعات لأنّه سبحانه حبّب إليهم ذلك حبّ تديّن، وكرّه إليهم الكفر والفسوق وسائر المعاصي كراهة تديّن، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن» لأنّ الله سبحانه حبّب إلى المؤمنين الحسنات وكرّه إليهم السّيّئات «٣» .

إنّ الأخلاق الفاضلة من نحو صدق الحديث وأداء الأمانة وبرّ الوالدين وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والجهاد للكفّار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السّبيل والمملوك من الآدميّين والبهائم، والدّعاء والذّكر وتلاوة القرآن، وكذلك حبّ الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدّين له، والصّبر لحكمه، والشّكر لنعمه، والرّضا بقضائه، والتّوكّل عليه والرّجاء لرحمته، والخوف من عذابه وأمثال ذلك، كلّها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أنّ العبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضيّة له «٤» ، كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ ٥٦) وبها أرسل الله جميع الرّسل، كما قال نوح لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (المؤمنون/ ٢٣) ، والدّين كلّه داخل في العبادة الّتي تتضمّن غاية الذّلّ لله بغاية المحبّة له «٥» ، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدّين وركنا أساسيّا من أركانه.

إنّ هذه الأخلاق الإيمانيّة- كما أطلق عليها


(١) الفتاوى (٧/ ١٨٦) بتصرف.
(٢) المرجع السابق (٧/ ١٨٧) .
(٣) المرجع السابق (٧/ ٤٢- ٤٣) بتصرف واختصار.
(٤) المرجع السابق (١٠/ ١٤٩- ١٥٠) بتصرف يسير.
(٥) المرجع السابق (١٠/ ١٥٢) . وانظر صفة «العبادة» .