للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عادوا حمما «١» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «٢» ، يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «٣» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر.

ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظّلّ يكون أبيض «٤» ؟ فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «٥» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «٦» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون:

يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «٧» .

٢٢-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال:

انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل، يعني عظيم الرّوم، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقال هرقل: هل ههنا أحد من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ قالوا: نعم. قال:

فدعيت في نفر من قريش. فدخلنا على هرقل.

فأجلسنا بين يديه. فقال: أيّكم أقرب نسبا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت:

أنا. فأجلسوني بين يديه. وأجلسوا أصحابي خلفي.

ثمّ دعا بترجمانه «٨» فقال له: قل لهم: إنّي سائل هذا عن


(١) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير الى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.
(٢) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزفة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.
(٣) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فاذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.
(٤) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.
(٥) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ.
(٦) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله.
(٧) البخاري- الفتح ١٣ (٧٤٣٩) . ومسلم (١٨٢) واللفظ له.
(٨) الترجمان: هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى.