للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الدنيا انشطرت الشخصية الفردية وتداعت علاقات المجتمع، وحدثت هزات وهزات فى المجتمع والفرد على السواء.

وإذا كان مفهوم الاستقلال الذاتى من المفاهيم القوية السائدة فى المجتمعات المعاصرة، إذ أصبح يؤكد فى كل مجالات النشاط الإنسانى وحركته «على الخصائص الذاتية المميزة لشخصية المجتمع» مما يعني «تأكيد الهوية الثقافية» فإن الملاحظ أن المجتمع الإسلامي المعاصر يعانى من قصور فى تأكيد ذاته وهويته الثقافية، إلى جانب معاناته من قصور فى الوسائل الحضارية والمادية، ولعل هذا يعود فى معظمه إلى معاناته الحقيقية من تخلخل البناء المعياري القيمى، واهتزاز نسق القيم الخلقية، وبالتالى اختلال واضطراب فى الأهداف التربوية، التى تتأرجح بين مثالية ومادية، مثالية طموحة، وواقعية أو مادية مخلخلة مضطربة، وبتعبير أصح هو انفصام بين التصور والواقع المعاش، بين الغايات والوسائل.

ومما زاد فى تفاقم الأمر تعرض العالم المعاصر لموجة من الاهتزازات الخلقية المتناقضة، وتتمثل فى مظاهر متضاربة ومتناقضة من الممارسات وأنماط السلوك الفردية والسياسية، والاجتماعية. التى تسلب الأفراد والجماعات السعادة والأمن والأمان والاستقرار، بل تضعف العلاقات فى ميادين الحياة المختلفة، ولقد أعطت التسهيلات المادية التكنولوجية الحديثة هذه الهزات والفجوات صفة العالمية، ولم يعد بمقدور مجتمع ما إغلاق منافذه أمامها أو النجاة منها» «١» .

إزاء كل ما سبق، وفى سعي المجتمع الإسلامي فى تعدده وتنوعه إلى تحقيق الذات، والبناء الذاتى المتميز القادر على العطاء والإبداع، وتأكيد الهوية والشخصية، فإنه يمكنه أن يؤكد ذلك من خلال أهم ما يميزه وهو القيم الإسلامية النابعة من المصادر الأصيلة، والعلاقات الإنسانية التى يحاول التمسك بها، وأهميتها لا تنكر للمجتمع وللتربية، إذ أن القيم والأخلاق أهم عناصر العملية الاجتماعية- التربوية-، ويلاحظ أن ظهور القيم- عند البعض- هو الحد الفاصل بين الذاتية والموضوعية، وبين الحقائق والأحكام، وبين ما هو كائن، وما يجب أن يكون، وبين الغايات والوسائل، وبين المعقول واللامعقول. ومع هذا فإن بعض علماء القرن الحالي (العشرين) لا يطمئنون إلى موضوع القيم، بل ظهرت محاولات لاجتثاث علم القيم من العلوم الموضوعية، بل من المفاهيم السلوكية لموضوع التعلم، ولاستبعاده من الأسس السلوكية والنفسية، ورغم هذا؛ فإنهم عند إصدار الأحكام يجعلون للقيم دورا أساسيا تؤديه، لأن عملية إصدار الأحكام تبنى على وزن الأفضليات، وعلى الموازنة بين المساوىء والمحاسن، وعلى اختيار النتائج المترتبة مستقبلا على الأحكام الحالية، فإذا لم تكن هناك قيم، أو إذا كانت


(١) ماجد عرسان الكيلاني: اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، عمان، دار البشير ١٩٩١ م، ص ٥ (بتصرف يسير) .