للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلّا على نفسه «١» ، ولا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده. ألا إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم، فيرضى بها، ألا وكلّ دم من دماء الجاهليّة موضوع «٢» . وأوّل ما أضع منها، دم الحارث بن عبد المطّلب (كان الحارث مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل) ، ألا وإنّ كلّ ربا من ربا الجاهليّة موضوع، لكم رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، ألا يا أمّتاه! هل بلّغت؟» ثلاث مرّات. قالوا: نعم، قال:

«اللهمّ اشهد» ثلاث مرّات) * «٣» .

٢٧-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:

خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام أنا وأخي أنيس وأمّنا، فانطلقنا حتّى نزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا ... قال أبو ذرّ- بعد أن حكى ما حدث له في رحلته ومدّة إقامته بمكّة-: ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي قد وجّهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلّا يثرب، فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» .

فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك «٤» ، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فاحتملنا «٥» حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم أإيماء «٦» بن رحضة الغفاريّ، وكان سيّدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسلمنا، فقدم صلّى الله عليه وسلّم المدينة فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم «٧» فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «٨» .

٢٨-* (عن سمرة بن جندب قال: بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي في غرضين لنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كانت الشّمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين النّاظر اسودّت حتّى آضت «٩» كأنّها تنّومة «١٠» . قال: فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فو الله ليحدثنّ شأن هذه الشّمس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمّته حديثا، قال: فدفعنا إلى المسجد فإذا هو بارز، قال: ووافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلى النّاس فاستقدم، فقام بنا كأطول ما قام بنا فى صلاة


(١) لا يجني: أي لا يرجع وبال جنايته من الإثم أو القصاص إلّا إليه.
(٢) موضوع: أي باطل.
(٣) ابن ماجة (٣٠٥٥) . وله شاهد عند مسلم من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- رقم (١٢١٨) .
(٤) يقال: رغب عن الشيء: كرهه. ورغب فيه: أحبه. والمعنى: لا أجد كراهية لهذا الدين.
(٥) احتملنا: أي حملنا أنفسنا ومتاعنا على الإبل وسرنا.
(٦) إيماء: بكسر الهمزة وفتحها.
(٧) أسلم: قبيلة من قبائل العرب كانت تجاور غفارا.
(٨) مسلم (٢٤٧٣) ، واللفظ له، وأحمد (٥/ ١٧٥) . وينظر فيهما الحديث بتمامه في هذين الموضعين.
(٩) آضت: أي رجعت وصارت. النهاية (١/ ٥٣) .
(١٠) التّنّومة: نوع من نبات الأرض فيها وفي ثمرها سواد قليل. النهاية (١/ ١٩٩) .