للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣١-* (عن الصّنابجيّ، أنّه دخل على عبادة ابن الصّامت؛ وهو في الموت، فبكى الصّنابجيّ فقال:

مهلا لم تبكي؟ فو الله لئن استشهدت لأشهدنّ لك، ولئن شفّعت لأشفعنّ لك، ولئن استطعت لأنفعنّك.

ثمّ قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكم فيه خير إلّا حدّثتكموه إلّا حديثا واحدا. وسوف أحدّثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من شهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، حرّم الله عليه النّار» ) * «١» .

٣٢-* (عن ابن شماسة المهريّ قال: حضرنا عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت «٢» . فبكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أمّا بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث «٣» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا «٤» ؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله «٥» ؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه، ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التراب شنّا «٦» ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي» ) * «٧» .


(١) مسلم (٢٩) .
(٢) في سياقة الموت: أي حال حضور الموت.
(٣) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث. قال الله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فلهذا أنّث ثلاثا إرادة لمعنى أطباق.
(٤) تشترط بماذا: هكذا ضبطناه بما، بإثبات الباء. فيجوز أن تكون زائدة للتوكيد كما في نظائرها. ويجوز أن تكون دخلت على معنى تشترط وهو: تحتاط. أي تحتاط بماذا.
(٥) إن الإسلام يهدم ما قبله: أي يسقطه ويمحو أثره.
(٦) فشنوا علي التراب: ضبطناه بالسين المهملة وبالمعجمة. وكذا قال القاضي إنه بالمعجمة والمهملة. قال: وهو الصب. وقيل بالمهملة، الصب في سهولة. وبالمعجمة التفريق.
(٧) مسلم (١٢١) .