للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك. قال: فقال سلمان: أما إنّي لا أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدّنيا ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلينا عهدا حيّا وميّتا.

قال: لتكن بلغة أحدكم من الدّنيا مثل زاد الرّاكب وحولي هذه الأساودة «١» . قال: فإنّما حوله إجّانة «٢» وجفنة «٣» ومطهرة فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد إلينا بعهد نأخذ به بعدك. قال: فقال: يا سعد، اذكر الله عند همّك إذا هممت وعند يدك إذا قسمت وعند حكمك إذا حكمت» ) * «٤» .

٤-* (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير- رحمه الله- قال: «القبر منزل بين الدّنيا والاخرة، فمن نزله بزاد ارتحل به إلى الاخرة، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ» ) * «٥» .

٥-* (عن أبي معاوية قال: «ما لقيني مالك ابن مغول إلّا قال لي: لا تغرّنّك الحياة واحذر القبر أنّ للقبر شأنا» ) * «٦» .

٦-* (روى أبو نعيم الحافظ بإسناده؛ أنّ عمر بن عبد العزيز شيّع مرّة جنازة من أهله، ثمّ أقبل على أصحابه ووعظهم، فذكر الدّنيا فذمّها وذكر أهلها، وتنعّمهم فيها، وما صاروا إليه بعدها من القبور، فكان من كلامه أنّه قال: «إذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديا، وادعهم إن كنت داعيا، ومرّ بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم، سل غنيّهم: ما بقي من غناه؟ وسل فقيرهم: ما بقي من فقره؟ واسألهم عن الألسن الّتي كانوا بها يتكلّمون، وعن الأعين الّتي كانوا للّذّات بها ينظرون، وسلهم عن الجلود الرّقيقة والوجوه الحسنة والأجساد النّاعمة ما صنع بها

الدّيدان تحت الأكفان، وأكلت اللّحيان «٧» وعفرت الوجوه، ومحيت المحاسن وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء، ومزّقت الأشلاء، وأين حجابهم وقبابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم وكنوزهم (وكأنّهم) ما وطئوا فراشا، ولا وضعوا هنا متّكأ ولا غرسوا شجرا ولا أنزلوهم من اللّحد قرارا، أليسوا في منازل الخلوات؟

أليس اللّيل والنّهار عليهم سواء؟ أليسوا في مدلهمّة ظلماء، قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبّة، وكم من ناعم وناعمة أضحوا ووجوهم بالية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم ممزّقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه دما وصديدا، ودبّت دوابّ الأرض في أجسادهم، ففرّقت أعضاءهم، ثمّ لم يلبثوا إلّا يسيرا حتّى عادت العظام رميما، فقد فارقوا الحدائق وصاروا بعد السّعة إلى المضائق، قد تزوّجت نساؤهم، وتردّدت في الطّرق أبناؤهم، وتوّزعت القرابات ديارهم وقراهم فمنهم والله الموسّع له في قبره الغضّ النّاظر فيه المتنعّم بلذّاته، يا ساكن القبر غدا ما


(١) جاء في لسان العرب: الأساودة: جمع قلّة لسواد وهو الشخص. وصرّح أبو عبيد بأنه شخص كلّ شيء من متاع وغيره.
(٢) الإجّانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب والجمع أجاجين.
(٣) الجفنة: قصعة الطعام.
(٤) الحاكم في المستدرك (٤/ ٣١٧) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٥) أهوال القبور (١٥٥) .
(٦) المرجع السابق (١٥٦) .
(٧) اللّحيان- بالفتح-: حائطا الفم وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم.