للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلا خيرا أو أعلم منّي، قال فأوحى الله إليه، إنّي أعلم بالخير منه، أو عند من هو، إنّ في الأرض رجلا هو أعلم منك، قال: يا ربّ! فدلّني عليه، قال: فقيل له: تزوّد حوتا مالحا؛ فإنّه حيث تفقد الحوت. قال: فانطلق هو وفتاه حتّى انتهيا إلى الصّخرة فعمّي عليه، فانطلق وترك فتاه، فاضطرب الحوت في الماء، فجعل لا يلتئم عليه، صار مثل الكوّة «١» ، قال: فقال فتاه: ألا ألحق نبيّ الله فأخبره؟

قال: فنسّي، فلمّا تجاوزا قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال: ولم يصبهم نصب حتّى تجاوزا، قال: «فتذكّر، قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت، وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. فأراه مكان الحوت، قال: ههنا وصف لي، قال: فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر مسجّى ثوبا، مستلقيا على القفا، أو قال:

على حلاوة القفا «٢» ، قال: السّلام عليكم، فكشف الثّوب عن وجهه قال: وعليكم السّلام، من أنت؟

قال: أنا موسى، قال: ومن موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: مجيء ما جاء بك «٣» ؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدا، قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، شيء أمرت به أن أفعله إذا رأيته لم تصبر، قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها، قال: انتحى عليها «٤» ، قال له موسى عليه السّلام: أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا، قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا، فانطلقا حتّى إذا لقيا غلمانا يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرّأي «٥» فقتله، فذعر عندها موسى عليه السّلام، ذعرة منكرة؛ قال:

أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامة «٦» ، قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرا، ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه «رحمة الله علينا وعلى أخي كذا، رحمة الله علينا- فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية لئاما فطافا


(١) الكوة: بفتح الكاف، ويقال بضمها، وهي الطاق.
(٢) على حلاوة القفا: هي وسط القفا، ومعناه لم يمل إلى أحد جانبيه، وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها، أفصحها الضم.
(٣) مجيء ما جاء بك: قال القاضي: ضبطناه مجيء مرفوع غير منون عن بعضهم وعن بعضهم منونا، قال: وهو أظهر، أي أمر عظيم جاء بك.
(٤) انتحى عليها: أي اعتمد على السفينة وقصد خرقها.
(٥) بادي الرأي: بالهمزة وتركه، فمن همزه معناه: أول الرأي وابتداؤه، أي انطلق إليه مسارعا إلى قتله من غير فكر، ومن لم يهمز فمعناه ظهر له رأي في قتله، من البداء، وهو ظهور رأي لم يكن، قال القاضي: ويمد البداء ويقصر.
(٦) أخذته من صاحبه ذمامة: أي حياء وإشفاق من اللوم والذم.