للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا هو مفترش برذعة «١» متوسّد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال:

سبحان الله، نعم، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ابن فلان. قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال:

فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه، فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الايات في سورة النّور وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ ٦- ٩) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الاخرة، قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها، ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الاخرة، قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ! إنّه لكاذب فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين ثمّ فرّق بينهما) * «٢» .

٧-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: لقد تركنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما يحرّك طائر جناحيه في السّماء إلّا أذكرنا منه علما) * «٣» .

٨-* (عن حنظلة الأسيّديّ «٤» - رضي الله عنه- قال:- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟

قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟، قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين «٥» ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «٦» الأزواج والأولاد والضّيعات «٧» فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» ، قلت: يا رسول


(١) البرذعة: الحلس الذي يوضع فوق ظهر الدابة وخص بعضهم به الحمار.
(٢) مسلم (١٤٩٣) ، وعند البخاري نحوه، من حديث سهل ابن سعد، البخاري- الفتح ٩ (٥٣٠٨) .
(٣) أحمد (٥/ ١٥٣، ١٦٢) ، والهيثمي في المجمع (٨/ ٢٦٣) ، وقال: رواه أحمد والطبراني وزاد فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما بقي شيء يقرب من الجنة يباعد من النار إلا وقد بين لكم» ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة، وفي إسناد أحمد من لم يسم.
(٤) الأسيدي: ضبطوه بوجهين، أصحهما وأشهرهما ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة، والثاني كذلك إلا أنه بإسكان الياء، ولم يذكر القاضي إلا هذا الثاني. وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم.
(٥) حتى كأنا رأي عين: قال القاضي: ضبطناه رأي العين، بالرفع، أي كأنا بحال من يراها بعينه، قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي عين.
(٦) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا.
(٧) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة.