للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فائذن لي أن آبق «١» إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي «٢» عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ؛ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك «٣» ، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت فذكر الحديث ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك «٤» ؟» قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة- يعني من الغد- دعاني قال: «ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» ) * «٥» .

٢٦- (جاء في وصف السيّدة خديجة- رضي الله عنها- للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحقّ ... )

وهذا يدلّ على أنّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كان يفرّج كرب المعدوم ومن أصابته النّوائب.


(١) أبق: يقال أبق العبد يأبق بكسر الباء وفتحها أي هرب. مختار الصحاح (٨٥) .
(٢) المجنّ: التّرس، وسمي بذلك لأنه يواري حامله أي يستره. اللسان (٧٠٢) . (مأخوذ من جن بمعنى ستر) .
(٣) فدك: محركة: بلدة بخيبر. القاموس (١٢٦٦) .
(٤) القبل يكون لما ولي الشيء، تقول ذهب قبل السوق وقالوا: لي قبلك مال- ثم اتسع فيه فأجري مجرى على إذا قلت لي عليك مال، ولي قبل فلان حق أي عنده. اللسان (٣٥٠٢) .
(٥) أبو داود (٣٠٥٥) وهذا لفظه وقال الألباني (٢/ ٥٩٢) : صحيح الإسناد. وقال محقق «جامع الأصول» (٥/ ٧) : رجاله ثقات.
(٦) البخاري- الفتح ١ (٣) .