للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قلت: «ما أنا بقارئ» .

فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة، حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ ١- ٣) ، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني، زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: لا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «١» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» ، قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك، أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «٢» .

٤-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل مستصرخ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: جارية له يا رسول الله!، فقال: «ويحك مالك؟» قال: شرّا، أبصر لسيّده جارية له فغار فجبّ مذاكيره، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليّ بالرّجل» فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اذهب فأنت حرّ» فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال:

«على كلّ مؤمن» أو قال: «كلّ مسلم» ) * «٣» .

٥-* (عن معاوية بن سويد بن مقرّن، قال:


(١) الجذع: الصغير من البهائم يريد ليتني أكون شبابّا.
(٢) البخاري- الفتح ١ (٣) واللفظ له. مسلم (١٦٠) .
(٣) أبو داود (٤٥١٩) ، وقال الألباني (٣/ ٥٨٦) : حسن، وابن ماجه (٢٦٨٠) . قال أبو داود: الذي عتق كان اسمه روح بن دينار، قال أبو داود: الذي جبّه زنباع، قال أبو داود: هذا زنباع أبو روح كان مولى العبد.