للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لرجل قال له: «يا أمير المؤمنين، إنّ الله قد أعطاك فلو لبست- وذلك بعد أن رآه يلبس قميصا مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه- فقال: «أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة» ) * «١» .

١٠-* (عن أبي الصّلت قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: «أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنّة فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتعمّق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: «إنّما حدث بعدهم» . ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم.

كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير- بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنّه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه. ولئن قلتم:

«لم أنزل الله آية كذا؟» ولم قال: كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك:

كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة، وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «٢» .

١١-* (قال أبو جعفر الطّحاويّ- رحمه الله تعالى- في الطّحاويّة: «دين الله في الأرض والسّماء واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلوّ والتّقصير، وبين التّشبيه والتّعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس» ) * «٣» .

١٢-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:

«ما من أمر أمر الله به إلّا عارض الشّيطان فيه بخصلتين ولا يبالي أيّهما أصاب: الغلوّ أو التّقصير» ) * «٤» .

١٣-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:


(١) سير أعلام النبلاء (٥/ ١٣٤) .
(٢) أبو داود (٤٦١٢) . وقال الألباني (٣/ ٨٧٣) صحيح مقطوع.
(٣) شرح الطحاوية، لابن أبي العز، نسخة الألباني (٥٨٥) .
(٤) المقاصد الحسنة للسخاوي (٣٣٢) ط. دار الكتاب العربي.