للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين، فيقول:

ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا. هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم» ، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال:

«وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة. ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول:

أنا ربّكم فاتّبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط، فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب، وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال هل امتلأت؟ فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثمّ يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حتّى إذا أوعبوا فيها «١» وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت:

قط قط، فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار. قال: أتي بالموت ملبيا «٢» ، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار، فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة وأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون (هؤلاء وهؤلاء) : قد عرفناه، هو الموت الّذي وكلّ بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «٣» .

١٩-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي. قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا.

قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربّه


(١) أوعبوا فيها: أي لم يدعوا منهم أحدا، وأوعب الشيء في الشيء: أدخله فيه. والمعنى: حتى إذا دخلوها ولم يتخلف منهم أحد.
(٢) ملبيا: أي على هيئة حيوان أخذ بتلابيبه.
(٣) البخاري- الفتح (٣٣٤٠) و (٣٣٦١) و (٤٧١٢) ومسلم (١٩٤) والترمذي (٢٥٥٧) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (٣٦٨٢- ٣٦٩) .