للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زيّ ليس متميّزا عن زيّ الإماء، فيتعرّض لهنّ أولئك الفسّاق بالأذى ظنّا منهم أنّهنّ إماء. فأمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيّهنّ عن زيّ الإماء وذلك بأن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ، فإذا فعلن ذلك ورآهنّ الفسّاق، علموا أنّهنّ حرائر، ومعرفتهم بأنّهنّ حرائر لا إماء هو معنى قوله- عزّ وجلّ-: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فهي معرفة بالصّفة لا بالشّخص.
وهذا التّفسير منسجم مع ظاهر القرآن- كما ترى-.
وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زيّ الإماء ليهابهنّ الفسّاق، ودفع ضرر الفسّاق عن الإماء لازم، وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب «١» .
وقال أيضا: وإذا علمت أنّ حكم آية الحجاب عامّ، وأنّ ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدّلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرّجال الأجانب، علمت أنّ القرآن دلّ على الحجاب، ولو فرضنا أنّ آية الحجاب خاصّة بأزواجه صلّى الله عليه وسلّم فلا شكّ أنّهنّ خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطّهارة التّامّة وعدم التّدنّس بأنجاس الرّيبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين- كالدّعاة للسّفور والتبرّج والاختلاط اليوم- من الاقتداء بهنّ في هذا الأدب السّماويّ الكريم المتضمّن سلامة العرض والطّهارة من دنس الرّيبة غاشّ لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم مريض القلب- كما ترى- واعلم أنّه مع دلالة القرآن على وجوب احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب، قد دلّت على ذلك أيضا أحاديث نبويّة.
٣- فمن ذلك ما أخرجه الشّيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«إيّاكم والدّخول على النّساء» . فقال رجل من الأنصار:
يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال:«الحمو الموت» أخرج البخاريّ هذا الحديث في كتاب النّكاح في باب: لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا ذو محرم ... إلخ.
ومسلم في كتاب السّلام في باب: تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها، فهذا الحديث الصّحيح صرّح فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّحذير الشّديد من الدّخول على النّساء، فهو دليل واضح على منع الدّخول عليهنّ، وسؤالهنّ متاعا إلّا من وراء حجاب؛ لأنّ من سألها متاعا لا من وراء حجاب، فقد دخل عليها، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حذّره من الدّخول عليها، ولمّا سأله الأنصاريّ عن الحمو الّذي هو قريب الزّوج الّذي ليس محرما لزوجته كأخيه وابن أخيه وعمّه وابن عمّه ونحو ذلك. قال له صلّى الله عليه وسلّم: الحمو الموت، فسمّى صلّى الله
عليه وسلّم دخول قريب الرّجل على امرأته وهو غير محرم لها باسم الموت، ولا شكّ أنّ تلك العبارة هي أبلغ عبارات التّحذير؛ لأنّ الموت هو أفظع حادث يأتي