للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّ اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى طلع الفجر، وصلّى الفجر، حين تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة، ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفا حتّى أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشّمس، وأردف الفضل بن عبّاس وكان رجلا حسن الشّعر أبيض وسيّما، فلمّا دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّت به ظعن يجرين «١» فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على وجه الفضل.

فحوّل الفضل وجهه إلى الشّقّ الآخر ينظر. فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده من الشّق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشّق الآخر ينظر. حتّى أتى بطن محسّر «٢» فحرّك قليلا ثمّ سلك الطّريق الوسطى الّتي تخرج على الجمرة الكبرى، حتّى أتى الجمرة الّتي عند الشّجرة، فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة منها حصى الخذف «٣» ، رمى من بطن الوادي، ثمّ انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستّين بيده، ثمّ أعطى عليّا فنحر ما غبر «٤» . وأشركه في هديه. ثمّ أمر من كلّ بدنة ببضعة فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأفاض إلى البيت «٥» ، فصلّى بمكّة الظّهر فأتى بني عبد المطّلب يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا «٦» بني عبد المطّلب فلولا أن يغلبكم النّاس «٧» على سقايتكم لنزعت معكم» ، فناولوه دلوا فشرب منه) * «٨» .

٩-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف في حجّة الوداع بمنى للنّاس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: «اذبح ولا حرج» . فجاء آخر، فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. قال: «ارم ولا حرج» . فما سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شيء قدّم ولا أخّر إلّا قال: «افعل ولا حرج» ) * «٩» .

١٠-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه-


(١) مرت به ظعن يجرين: الظعن: بضم الظاء والعين، ويجوز إسكان العين: جمع ظعينة، كسفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به المرأة مجازا لملابستها البعير.
(٢) حتى أتى بطن محسّر: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي أعيا وكلّ، ومنه قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ.
(٣) حصى الخذف: أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمي بأصبعين، والخذف: في الأصل مصدر سمي به، يقال: خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب، أي رميتها بطرفي الإبهام والسبابة.
(٤) ما غبر: أي ما بقي.
(٥) فأفاض إلى البيت: فيه محذوف تقديره (فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلّى الظهر) فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه.
(٦) انزعوا: معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء.
(٧) لولا أن يغلبكم الناس، أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه، بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم، لكثرة فضيلة هذا الاستقاء.
(٨) مسلم (١٢١٨) .
(٩) البخاري- الفتح ١ (٨٣) واللفظ له. ومسلم (١٣٠٦) .