للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وقال سبحانه وتعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وما روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به» . فلا يتمّ إيمان العبد إلّا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كلّ شأن من شئونه في الأنفس والأموال والأعراض، وإلّا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فمن خضع لله سبحانه وتعالى، وأطاعه وتحاكم إلى وحيه فهو العابد له ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه فقد عبد الطّاغوت، وانقاد له كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً والعبوديّة لله وحده والبراءة من عبادة الطّاغوت والتّحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو ربّ النّاس وإلههم، وهو الّذي خلقهم، وهو الّذي يأمرهم وينهاهم ويحييهم ويميتهم ويحاسبهم، ويجازيهم وهو المستحقّ للعبادة دون كلّ ما سواه، قال تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فكما أنّه الخالق وحده فهو الأمر سبحانه والواجب طاعة أمره، وقد حكى الله عن اليهود أنّهم اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، لمّا أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال الله تعالى اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (التوبة/ ٣١) ، وقد روي عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّه ظنّ أنّ عبادة الأحبار والرّهبان إنّما تكون في الذّبح لهم، والنّذر لهم والسّجود والرّكوع لهم فقط وذلك عند ما قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسلما وسمعه يقرأ هذه الآية فقال: يا رسول الله إنّا لسنا نعبدهم يريد بذلك النّصارى، حيث كان نصرانيّا قبل إسلامه قال صلّى الله عليه وسلّم: «أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلّون ما حرّم فتحلّونه» . قال: بلى قال:

«فتلك عبادتهم» .

قال ابن كثير في تفسيره: ولهذا قال تعالى:

وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً أي الّذي إذا حرّم الشّيء فهو الحرام، وما حلّله فهو الحلال، وما شرعه اتّبع وما حكم به نفّذ لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون أي تعالى، وتقدّس، وتنزّه عن الشّركاء والنّظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلّا هو ولا ربّ سواه.

إذا علم أنّ التّحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فإنّ التّحاكم إلى الطّواغيت والرّؤساء والعرّافين ينافي الإيمان بالله- عزّ وجلّ- وهو كفر وظلم وفسق يقول الله تعالى:

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ