للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما نلاحظ فإن الرسول يحرص كل الحرص على ترجمة الإيمان إلى سلوك، وكلا الأمرين النهي والأمر لا بد أن يترجما إلى سلوك، وهو حرص الوفد نفسه على أن يدله الرسول صلّى الله عليه وسلّم على عمل يدخلهم الجنة، ثم أمر آخر نلاحظه في الحديث، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: (احفظوه، وأخبروه من وراءكم) حفظ ووعي وفهم وتطبيق ثم تبليغ.

إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يحرص على أن يعلم الناس، وأن ينشر العلم، لأنه أساس التربية العملية، يقول في خطبة بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لا مرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها، فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب» «١» .

وعن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» «٢» .

هذه شواهد متعددة تبين أن العبرة في العلم التطبيق والعمل، لا مجرد المعرفة، ومن هنا كانت عنايته صلّى الله عليه وسلّم بالتربية العملية، لأنها أكثر فعالية في تطبيق الأخلاق ورعايتها.

وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يغتنم فرصة التصرفات العملية التي تقتضي توجيها تربويا أو عمليا ليأخذ منه المسلمون درسا إيجابيا، فكان يدعو إلى قيمة أو يصحح سلوكا، أو ينفي هذا السلوك الخاطيء وهي طريقة فعالة لأنها ترتبط بالوقائع المشاهدة وتتصل بما يعيشه الناس، ولذا ترسخ في الذهن، وتثبت في القلوب، وبهذا ترتبط القيم بواقع الحياة، وهذا يعني أن غرس القيم لا يقتصر على مجرد التعلم والحفظ والتسميع، وإنما يعتمد على واقع الحياة والخبرة المعيشية وبالتالي يكون تأثيرها قويا، لأنها «تثير الانتباه الذي يجمع الفاعلية النفسية حول ظاهرة ما، عن طريق الحس إن كانت هذه الظاهرة خارجية، وعن طريق التأمل إن كانت داخلية» «٣» .

والحديث الشريف مليء بالأمثلة من ذلك النوع، من ذلك:

- ما يروى عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت منها فذكرني إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أساببت فلانا» قلت: نعم، قال: «أفنلت من أمه؟» قلت: نعم، قال: «إنك امرؤ


(١) المرجع السابق، كتاب العلم، ص ٥١، حديث رقم ١٠٤.
(٢) الإمام البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب العلم، ص ٤٢، حديث رقم ٧٩.
(٣) التهامي نفرة، سيكولوجيية القصة في القرآن، الجزائر، جامعة الجزائر، الشركة التونسية للتوزيع، ١٩٧١ م، ص ٥٧٢.