للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (العلق/ ١٤) ، وقوله عزّ من قائل: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (غافر/ ١٩) ، وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ ١) «١» .

وجاء في حديث جبريل المشهور: ما الإحسان؟: قال: الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك «٢» .

وقال ابن القيّم في شرح العبارة السّابقة: يعني أنّ العبد متى علم أنّ الرّبّ تعالى ناظر إليه أورثه هذا العلم حياء منه سبحانه، فيجذبه إلى احتمال أعباء الطّاعة، وذلك كمثل العبد إذا عمل الشّغل بين يدي سيّده، فإنّه يكون نشيطا فيه، محتملا لأعبائه، ولا سيّما مع الإحسان من سيّده، والله عزّ وجلّ لا يغيب نظره عن عبده، فإذا ما غاب نظر العبد عن كون المولى ناظرا إليه تولّد من ذلك قلّة الحياء والقحة، هذا ولاستقباح الجناية النّاشيء عن الحياء درجتان أخريان، دنيا وهي الاستقباح الحاصل عن ملاحظة الوعيد، وعليا: وهي الاستقباح الحاصل عن المحبّة.

ومن الحياء ما يتولّد من تحقّق القلب بالمعيّة الخاصّة مع الله عزّ وجلّ، قال ابن القيّم: والمعيّة مع الله نوعان:

عامّة: وهي معيّة العلم والإحاطة المستفادة من قوله عزّ وجلّ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ (الحديد/ ٤) .. وقوله سبحانه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ.. (ق ١٦) .

وقوله سبحانه: فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ... (الشورى/ ١١) .

وقوله سبحانه: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ... (المجادلة/ ٧) وقوله سبحانه: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الأنعام/ ١٠٣) ، وقوله سبحانه: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (الجن/ ٢٨) .

خاصّة: وهي الّتي أشار إليها سبحانه في قوله:

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (النحل/ ١٢٨) وقوله- عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ ١٥٣) وقوله- سبحانه: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ ٦٩) .

وهذه المعيّة معيّة قرب تتضمّن الموالاة والنّصر والحفظ وكلا المعيّتين مصاحبة منه للعبد، لكن الأولى مصاحبة اطّلاع وإحاطة، والثّانية مصاحبة موالاة ونصر وإعانة.

وقرب الله- عزّ وجلّ- من العبد فهو- أيضا نوعان:

الأوّل: قربه من داعيه بالإجابة، وذلك كما قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ


(١) مدارج السالكين (٢/ ٢٦٧) ، وانظر آيات أخرى عديدة في هذا المعنى في صفات العلم والمراقبة.
(٢) انظر صفة الإحسان.