للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن المسجد مؤسسة اجتماعية مثلها مثل باقي المؤسسات بل هو تنظيم من تنظيمات المجتمع الإسلامي، التي استخدمها لتنشئة الأجيال، ولذا فهو يتكامل أو يجب أن يتكامل مع المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية الأخرى، مع ضرورة التركيز على إعداد القائمين عليه إعدادا جيدا بما يهيؤهم للتعامل مع رواد المسجد صغارا وكبارا، وبالقدر نفسه من الأهمية، يجب العناية بالمؤسسات الأخرى في المجتمع، بحيث تتكامل مع وظيفة المسجد، فإذا كان المجتمع يغلب فيه انحراف ما فإن المسجد لن يستطيع أن يؤدي وظيفته كما ينبغي، لأن هذا الانحراف سيحول بين أفراد المجتمع والتأثر بالمسجد وما يقدمه.

ولقد اعتبر المسجد منذ أن وجد مؤسسة للصغار والكبار، للرجال والنساء، لكل طوائف المجتمع، وكان مؤسسة تربوية للصغار، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يمنع الصغار عن المسجد، بل كانت له مواقف معينة تؤكد اهتمامه بهم، ومما يروى في هذا المجال:

عن أبي قتادة الأنصاري- رضي الله عنه- أنه قال: «رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يؤم الناس وأمامه بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها (ويروى) رفعها» «١» .

وكان صلّى الله عليه وسلّم يراعي وجود الأطفال في المسجد، يقول: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من

بكائه» «٢» .

وعن أنس- رضي الله عنه- قال: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه من بكائه» «٣» .

وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: «صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار» «٤» .

إن هذا كله يدل على حضور الصغار المسجد. وهناك أدلة غير هذه كثيرة نكتفي هنا بما ذكرناه، فصلة الناشىء بالمسجد في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم كانت قوية ومقصودة، وإن تنشئته على ذلك تجعله يألفه ويرتبط به، ليكون من رواده فيه مصلحة عظيمة، ولذلك أثره في تنمية القيم الخلقية الإسلامية.


(١) متفق عليه، مصابيح السنة (مرجع سابق) ج ١، ص ٣٣٦، حديث رقم ٦٩٩.
(٢) متفق عليه، المرجع السابق، ص ٤٠٨، حديث رقم ٨٠٩.
(٣) متفق عليه، المرجع السابق، ص ٤٠٨، حديث رقم ٨٠٨.
(٤) أخرجه مسلم، المرجع السابق، ج ٤، ص ٤٩، حديث رقم ٤٥١٢.