للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشّيعتين «١» شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «٢» ، قال:

فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟

(فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد ابن هشام. قالت: من هشام؟. قال: ابن عامر.

فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى.

قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن «٣» ، قال فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت. ثمّ بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟

(المزمل/ ١) . قلت: بلى. قالت: فإنّ الله- عزّ وجلّ- افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا. وأمسك الله خاتمتها «٤» اثني عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره.

فيبعثه الله «٥» ما شاء أن يبعثه من اللّيل. فيتسوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّى التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنيّ. فلمّا سنّ «٦» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم «٧» ، أوتر بسبع. وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل.

فتلك تسع، يا بنيّ. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة. ولا صلّى ليلة إلى الصّبح. ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال فانطلقت إلى ابن عبّاس فحدّثته بحديثها. فقال:

صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها «٨» ما حدّثتك حديثها» ) * «٩» .


(١) الشيعتين: الشيعتان الفرقتان، والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة عليّ وأصحاب الجمل.
(٢) فأبت فيهما إلا مضيّا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا (يس/ ٦٧) .
(٣) فإن خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته.
(٤) وأمسك الله خاتمتها: تعني أنها متأخرة النزول عما قبلها. وهي قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ (المزّمل/ ٢٠) .
(٥) فيبعثه الله: أي يوقظه. لأن النوم أخو الموت.
(٦) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول: سن، وفي بعضها: أسن، وهذا هو المشهور في اللغة.
(٧) وأخذه اللحم: وفي بعض النسخ: وأخذ اللحم، وهما متقاربان. والظاهر أن معناه كثر لحمه.
(٨) لو علمت أنك لا تدخل عليها: قال القاضي عياض: هو على طريق العتب له في ترك الدخول عليها، ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها.
(٩) مسلم (٧٤٦) .