للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استعار منها موسى يستحدّ بها «١» ، فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حتّى أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي. فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنّه لموثق في الحديد، وما بمكّة من ثمر. وكانت تقول: إنّه لرزق من الله رزقه خبيبا. فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحلّ، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثمّ قال: لولا أن تظّنّوا أنّ ما بي جزع لطوّلتها. اللهمّ أحصهم عددا.

ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شقّ كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع

فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سنّ الرّكعتين لكلّ امرئ مسلم قتل صبرا. فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفّار قريش إلى عاصم حين حدّثوا أنّه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظّلّة من الدّبر «٢» ، فحمته من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا) * «٣» .

٢٦-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي رافع، عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانطلقوا حتّى دنوا من الحصن، فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا أنتم حتّى أنطلق أنا فأنظر. قال:

فتلطّفت أن أدخل الحصن، ففقدوا حمارا لهم، قال:

فخرجوا بقبس يطلبونه، قال: فخشيت أن أعرف، قال فغطّيت رأسي ورجليّ كأنّي أقضي حاجة. ثمّ نادى صاحب الباب: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه. فدخلت، ثمّ اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن، فتعشّوا عند أبي رافع وتحدّثوا حتّى ذهبت ساعة من اللّيل، ثمّ رجعوا إلى بيوتهم. فلمّا هدأت الأصوات ولا أسمع حركة خرجت، قال: ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوّة، فأخذته ففتحت به باب الحصن، قال: قلت: إن نذر بي القوم انطلقت على مهل، ثمّ عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلّقتها عليهم من ظاهر، ثمّ صعدت إلى أبي رافع في سلّم، فإذا البيت مظلم قد طفأ سراجه فلم أدر أين الرّجل. فقلت: يا أبا رافع. قال: من هذا؟

قال فعمدت نحو الصّوت فأضربه، وصاح، فلم تغن شيئا. قال: ثمّ جئت كأنّي أغيثه فقلت: مالك يا أبا رافع؟ وغيّرت صوتي. فقال: ألا أعجبك، لأمّك الويل، دخل عليّ رجل فضربني بالسّيف. قال فعمدت له أيضا فأضربه أخرى، فلم تغن شيئا،


(١) موسى يستحدبها: الموس آلة الحلاقة، يستحدبها أي يحلق بها.
(٢) الظلة من الدّبر: الظلة: ما يستظل به من الشمس كالسحاب ونحوه، والدبر- بفتح الدال المشددة وسكون الباء- النحل والزنابير ولا مفرد له.
(٣) البخاري- الفتح ٦ (٣٠٤٥) .