للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما محمد بن عمر الواقدي، فلم يرد له في الصحيحين رواية واحدة، ورفض النقاد من المحدثين قبول مروياته. وقد ورد في ثنايا كتابه في المغازي الكثير من المرويات بأسانيد فيها رواة لا نجد لهم تراجم في كتب علم الرجال، كما قبل وثائق مزورة، كان الوضع فيها بيّنا واضحا ولعل أبرزها كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يهود مقنى والذي كان الكذب والوضع فيه ظاهرين للعيان. ومع ذلك فإنهم اهتموا بكتاب «المغازي» لغزارة ما فيه من المعلومات، ولتقديمه تفصيلات كثيرة ينفرد بها.

وعند الانتقال إلى كتب التاريخ والأنساب فإن الطبري يقدم في كتابه «تاريخ الأمم والملوك» معلومات موسّعة عن السيرة يعتمد فيها بشكل كبير على ما قدمه ابن إسحاق، وإن كان يضيف روايات من مصادر أخرى.

أما القسم الأول من كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري، فإنه من المصادر التي تقدم معلومات تمتاز بأهميتها وقدمها في مجال السيرة المطهرة.

ويبقى بعد ذلك أن نشير إلى عدد من المؤلفات المتأخرة التي كتبت بعد منتصف القرن الخامس الهجري والتي قام مؤلفوها بجمع معلوماتهم فيها من كتب الحديث وكتب السير الأولى وهذبوها واختصروها. ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى عدد كبير من المؤلفين أمثال ابن عبد البر القرطبي في «الدرر» ، وابن حزم في «جوامع السير» ، وابن سيد الناس في «عيون الأثر» والحافظ الذهبي في «السيرة النبوية» ، والواسطي في «السيرة» ، وابن كثير في قسم السيرة من «البداية والنهاية» ، والدمشقي الشامي في «سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد» .

وتأتي المصادر التكميلية، بعد القرآن الكريم، وكتب الحديث، وكتب السيرة المختصة، والمغازي، وكتب الشمائل والدلائل، لكي تكمّل معالم الصورة وتسد بعض الثغرات التي يمكن أن تبقى بعد استيفاء المعلومات الأساسية من المصادر الأصلية. وتتمثل هذه المصادر التكميلية في كتب «معرفة الصحابة والتراجم» ، وكتب «الأدب في صدر الإسلام» ، وخصوصا الشّعر، ثم كتب «الجغرافية التاريخية» التي تعطي الباحث صورة دقيقة عن الإطار المكاني للأحداث.

لقد حفظ الله سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم من الضياع والتحريف والمبالغة والتهويل، بأن هيأ لها جهابذة المحدثين ليعنوا بها ويدونوا أصولها الأولى قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين ومبالغات القصّاصين وهذه ميزة لمصادر السيرة لم تتوفر لغيرها، حيث إن المحدثين ثقاة مأمونون في الرواية، وهم في الوقت نفسه علماء لهم مناهج واضحة في نقد الروايات، ولهم أسلوبهم الجاد البعيد عن الحشو والمبالغات «١» .


(١) في هذا الموضوع انظر: الدوري- بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، ص/ ٣٠- ٤٦، صبحي الصالح- علوم الحديث ص/ ١٥- ١٦، محمد عزت دروزة- سيرة الرسول، مصطفى السباعي- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص/ ٢٩٣- ٤، جواد علي- تاريخ العرب في الإسلام- السيرة ص/ ٩- ١١، العمري- السيرة النبوية الصحيحة ص ٤٧- ٧٠.