للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم يكن أغنى رجال مكة ولا هو زعيمها الوحيد، غير أن صلته المباشرة بشئون البيت العتيق، وقيامه بخدمة حجاج البيت جعلته من أبرز زعماء مكة، فكان هو الذي فاوض أبرهة حين قدم بالأحباش غازيا لمكة بقصد هدم الكعبة: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ «١» .

ومع ظهور الإسلام، وبدء نزول الوحي، وقبيل اشتداد مقاومة قريش للدعوة الإسلامية، تولى أبو طالب بن عبد المطلب الرفادة والسقاية بعد وفاة والده، ولم يكن موسرا لينفق من ماله، فاضطر إلى الاقتراض من أخيه العباس ابن عبد المطلب مبلغا كبيرا من المال أنفقه على الحجيج، ولما عجز عن إيفاء القرض تنازل عن السقاية والرفادة إلى أخيه العباس مقابل ذلك.

نتبيّن مما تقدّم بأن عشيرة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم كانت تتبوأ مكانة متميّزة في مكة عند ظهور الإسلام، رغم أنهم لم يكونوا من أهل الثراء الواسع، ولعلهم كانوا وسطا في ذلك، ودون أوساط تجار مكة الآخرين. في حين كان الثراء قبيل الإسلام في بني عبد شمس وبني نوفل وبني مخزوم، وقد نازعتهم العشائر القرشية الأخرى السيادة على مكة، وكان هذا النزاع قد بدأ بين أبناء قصي وأدى إلى انقسامهم إلى محورين هما: «المطيّبون» : وهم بنو عبد مناف ومن حالفهم من بني أسد بن عبد العزى وبني زهرة وبني تيم وبني الحارث بن فهر. أما المحور الثاني فهم «الأحلاف» وهو تجمّع يضم بني عبد الدار ومن حالفهم من بني سهم وجمح ومخزوم وعدي. وحصلت منافرات ومنازعات بين زعماء الأسر الكبيرة أحيانا، مثال ذلك ما حصل بين أميّة بن عبد شمس وعمه عبد المطلب بن هاشم.

لقد بيّن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن العرب المشركين في جاهليتهم كانوا يعبدون آلهة مزعومة لتقربهم من الله وتشفع لهم عنده، قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ «٢» .

ولقد اتصلت فيهم هذه الوثنية مع شعائرها وعاداتها واعتقاداتها فترة طويلة، وهم يتشفعون بالأصنام والأوثان: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى «٣» .

ولقد ترسخت لديهم الوثنية بمرور الزمان لما كانوا عليه من إجلال أسلافهم وتعظيمهم: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «٤» .

وهكذا فقد أعماهم التقليد عن نقد تراثهم العقدي وتحكيم العقل، واستتبع الانحراف في العقيدة انحرافا في العبادة والسلوك والشعائر والشرائع. وهكذا جرى تحريف الحنيفية الإبراهيمية، فدخلت الوثنية مناسك الحج، ووضعوا الأصنام حول الكعبة، وجرى الطواف بها مع التعري من الثياب أحيانا «الحمس» . وأصبحت قريش في


(١) القرآن الكريم، سورة الفيل، الآية/ ١.
(٢) القرآن الكريم، سورة يونس، الآية/ ١٨.
(٣) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ١٩.
(٤) القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ ٢٣.