للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «١» .

وأما عبادتهم الناقصة لله تعالى، وحجهم إلى بيته العتيق، وتوسيطهم الأصنام والأوثان لتقربهم إلى الله زلفى وتقديم القرابين، ونذرهم النذور، فإنه لا يعكس إلّا الرغبة في الحياة السعيدة الرغيدة في الدنيا والحصول على الأموال والثراء، وتحقيق آمال دنيوية أخرى مثل جلب المنفعة، ودفع الشر والإضرار، فهم يعبدون الأصنام لتقربهم من الله تعالى الذي يطمعون منه أن يمنحهم ما يأملون في هذه الحياة التي تنتهي عادة بالهلاك الأبدي الدائم عندهم، الذي ينسبونه إلى الدهر: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ «٢» .

ويفضح القرآن الكريم إنكارهم للآخرة في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز «٣» : وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ «٤» .

وفي قوله تعالى: وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ «٥» .

وقد زادوا في شعائر الحج التي جاء بها إبراهيم- عليه السلام-، ونقصوا فيها، وحرّفوها عن مقاصدها فقد كانت قريش كما أسلفنا لا تقف مع الناس في عرفات ولا تفيض معهم منها، وذلك ما وضحه حديث أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- «٦» عنهم، وفي أسباب نزول قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «٧» .

وكانوا يحرّمون العمرة في أشهر الحج ويرون أن ذلك من أفجر الفجور في الأرض. ولم يبق من دين إبراهيم- عليه السلام- إلّا القليل، مثل تعظيم البيت العتيق والطواف به والحج والعمرة، مع ما فيهما من تحريف، والوقوف في عرفات والمزدلفة وإهداء البدن، مع أنهم أدخلوا في هذا ما ليس منه فقد كانت قريش وكنانة إذا أهلوا بالحج أو بالعمرة قالوا: «لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، إلّا شريكا هو لك تملكه وما ملك» «٨» . فهم يوحدونه بالتلبية، في الوقت الذي يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده. ومما زادوه في عباداتهم المكاء والتصدية في المسجد الحرام وهو التصفيق والصفير. قال تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً «٩» ، إضافة إلى ذبحهم على النصب تعظيما للأصنام. ويستسقون بالأنواء، ويقسمون باللّات والعزى.

أما أخلاقهم وأعرافهم وعاداتهم، فكثير منها هدمه الإسلام، ومن ذلك ممارسة الكثير من الرذائل من


(١) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية/ ٣٨.
(٢) القرآن الكريم- سورة الجاثية، الآية/ ٢٤.
(٣) سورة الحج، الآية/ ٥، سورة هود، الآية/ ٧، سورة الإسراء، الآية/ ٤٩، ٩٨، سورة المؤمنون، الآية/ ٣٧، ٨٢، سورة الصافات، الآية/ ١٦، سورة الواقعة، الآية/ ٤٧، سورة المطففين، الآية/ ٤، سورة الأنعام، الآية/ ٢٩.
(٤) القرآن الكريم- سورة هود، الآية/ ٧.
(٥) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ٢٩.
(٦) مسلم- الصحيح ٢/ ٨٩٣ (الحديث ١٢١٩) .
(٧) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ ١٩٩.
(٨) ابن هشام- السيرة ١/ ١٢٢، البزار- كشف الأستار ٢/ ١٥، الهيثمي- مجمع الزوائد ٣/ ٢٢٣، ورجاله رجال الصحيح. وفي صحيح مسلم من حيث جاء الطويل.
(٩) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ ٣٥.