للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشّحّ والبخل، فإنّ السّخاء من أخلاق الأنبياء- عليهم السّلام- وهو أصل من أصول النّجاة) * «١» .

٢٣-* (عن واقد بن محمّد الواقديّ قال: «حدّثني أبي أنّه رفع رقعة إلى الخليفة المأمون يذكر فيها كثرة الدّين، وقلّة صبره عليه، فوقّع المأمون على ظهر رقعته، إنّك رجل اجتمع فيك خصلتان السّخاء والحياء، فأمّا السّخاء فهو الّذي أطلق ما في يديك، وأمّا الحياء فهو الّذي يمنعك عن تبليغنا ما أنت عليه، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، فإن كنت قد أصبت فازدد في بسط يدك، وإن لم أكن قد أصبت فجنايتك على نفسك) * «٢» .

٢٤-* (وقيل: «بعث هارون الرّشيد إلى مالك ابن أنس- رحمه الله- بخمسمائة دينار؛ فبلغ ذلك اللّيث بن سعد فأنفذ إليه ألف دينار، فغضب هارون، وقال: أعطيته خمسمائة، وتعطيه ألفا وأنت من رعيّتي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ لي من غلّتي كلّ يوم ألف دينار؛ فاستحييت أن أعطي مثله أقلّ من دخل يوم. وحكي أنّه لم تجب عليه الزّكاة مع أنّ دخله كلّ يوم ألف دينار. وحكي أنّ امرأة سألت اللّيث بن سعد. رحمه الله- شيئا من عسل، فأمر لها بزقّ من عسل، فقيل له: إنّها كانت تقنع بدون هذا، فقال: إنّها سألت على قدر حاجتها، ونحن نعطيها على قدر النّعمة علينا. وكان اللّيث بن سعد لا يتكلّم كلّ يوم حتّى يتصدّق على ثلاثمائة وستّين مسكينا) * «٣» .

٢٥-* (وروي أنّ الشّافعيّ- رحمه الله- لمّا مرض مرض موته بمصر قال: مروا فلانا يغسّلني، فلمّا توفّي بلغه خبر وفاته فحضر وقال: ائتوني بتذكرته، فأتي بها، فنظر فيها، فإذا فيها «على الشّافعيّ سبعون ألف درهم دينا» ، فكتبها على نفسه وقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إيّاه؛ أي أراد به هذا. وقال أبو سعيد الواعظ الحركوشيّ: لمّا قدمت مصر طلبت منزل ذلك الرّجل فدلّوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده وزرتهم، فرأيت فيهم سيم الخير وآثار الفضل؛ فقلت: بلغ أثره في الخير إليهم، وظهرت بركته فيهم مستدلّا بقوله تعالى: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً (الكهف/ ٨٢) وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: لا أزال احبّ حمّاد بن سليمان لشيء بلغني عنه، أنّه كان ذات يوم راكبا حماره، فحرّكه فانقطع زرّه، فمرّ على خيّاط، فأراد أن ينزل إليه ليسوّي زرّه، فقال الخيّاط: والله لا نزلت، فقام الخيّاط إليه فسوّى زرّه، فأخرج إليه صرّة فيها عشرة دنانير فسلّمها إلى الخيّاط واعتذر إليه من قلّتها، وأنشد الشّافعيّ- رحمه الله- لنفسه:

يا لهف قلبي على مال أجود به ... على المقلّين من أهل المروءات

إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي، لمن إحدى المصيبات) * «٤» .


(١) إحياء علوم الدين (٣/ ٢٤٣) .
(٢) المرجع السابق (٣/ ٢٤٧) .
(٣) المرجع السابق (٣/ ٢٥٠) .
(٤) المرجع السابق (٣/ ٢٥١) .