كلّ موادعة، حتّى يقولوا لا إله إلّا الله. وقال ابن عبّاس: النّاسخ لها فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ (محمد/ ٣٥) وقيل: ليست بمنسوخة، بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية. وقد صالح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في زمن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- ومن بعده الأئمّة كثيرا من بلاد العجم، على ما أخذوه منهم، وتركوهم على ما هم فيه، وهم قادرون على استئصالهم. وكذلك صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثيرا من أهل البلاد على مال يؤدّونه؛ من ذلك خيبر، وإن كان للمسلمين مصلحة في الصّلح، لنفع يجتلبونه، أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يبتدأ المسلمون (به) إذا احتاجوا إليه. وقد صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل خيبر، على شروط نقضوها فنقض صلحهم. وما زالت الخلفاء والصّحابة على هذه السّبيل الّتي شرعناها سالكة، وبالوجوه الّتي شرحناها عاملة. قال القشيريّ: إذا كانت القوّة للمسلمين فينبغي ألّا تبلغ الهدنة سنة. وإذا كانت القوّة للكفّار جاز مهادنتهم عشر سنين، ولا تجوز الزّيادة.
وقال الشّافعي- رحمه الله-: لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين، على ما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية؛ فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة؛ لأنّ الأصل فرض قتال المشركين حتّى يؤمنوا أو يعطوا الجزية. ودلّ على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم، إذا رأى ذلك الإمام وجها «١» .