للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجل واحد إلى خيمة ملك الرّوم فقتلوا من كان دونها، ووصلوا إلى الملك فقتلوا من كان دونه، وجعلوا ينادون بلسان الرّوم: قتل الملك، قتل الملك. فسمعت الرّوم أنّ ملكهم قد قتل، فتبدّدوا، وتمزّقوا كلّ ممزّق، وعمل السّيف فيهم أيّاما، وأخذ المسلمون أموالهم وغنائمهم. وأتوا بالملك أسيرا بين يدي ألب أرسلان، والحبل في عنقه. فقال له ألب آرسلان: ماذا كنت تصنع بي لو أسرتني، قال: وهل تشكّ أنّني كنت أقتلك. فقال له ألب آرسلان: أنت أقلّ في عيني من أن أقتلك. اذهبوا به فبيعوه لمن يزيد فيه، فكان يقاد والحبل في عنقه، وينادى عليه من يشتري ملك الرّوم.

وما زالوا كذلك يطوفون به على الخيام، ومنازل المسلمين وينادون عليه بالدّراهم، والفلوس فلم يدفع فيه أحد شيئا حتّى باعوه من إنسان بكلب، فأخذه الّذي ينادي عليه، وأخذ الكلب وأتى بهما إلى ألب آرسلان وقال قد طفت به جميع العسكر، وناديت عليه، فلم يبذل أحد فيه شيئا، سوى رجل واحد دفع فيه هذا الكلب. فقال قد أنصفك. إنّ الكلب خير منه، ثمّ أمر ألب آرسلان بعد ذلك بإطلاقه وذهب إلى القسطنطينيّة، فعزلته الرّوم وكحّلوه بالنّار. فانظر ماذا يأتي على الملوك إذا عرفوا في الحرب من الحيلة، والمكيدة» ) * «١» .

١٩-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «لا ينبغي أن يقدم الجيش إلّا الرّجل ذو البسالة والنّجدة والشّجاعة والجرأة، ثابت الجأش، صارم القلب، صادق البأس، ممّن قد توسّط الحروب ومارس الرّجال ومارسوه، ونازل الأقران، وقارع الأبطال، عارفا بمواضع الفرص، خبيرا بمواقع القلب والميمنة والميسرة. فإنّه إذا كان كذلك وصدر الكلّ عن رأيه كانوا جميعا كأنّهم مثله» ) * «٢» .

٢٠-* (حكي أنّه كان للعرب فارس يقال له ابن فتحون، وكان أشجع العرب والعجم في زمانه.

وكان المستعين يكرمه ويعظّمه ويجري له في كلّ عطيّة خمسمائة دينار. وكانت جيوش الكفّار تهابه وتعرف منه الشّجاعة، وتخشى لقاءه. فيحكى أنّ الرّوميّ كان إذا سقى فرسه ولم يشرب يقول له: ويلك لم لا تشرب هل رأيت ابن فتحون في الماء، فحسده نظراؤه على كثرة العطاء ومنزلته من السّلطان. فوشوا به عند المستعين فأبعده ومنعه من عطائه، ثمّ إنّ المستعين أنشأ غزوة إلى بلاد الرّوم فتقابل المسلمون والمشركون صفوفا، ثمّ برز علج إلى وسط الميدان ونادى وقال: هل من مبارز؟

فبرز إليه فارس من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله الرّومي، فصاح المشركون سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب الرّوميّ يجول بين الصّفّين وينادي: هل من اثنين لواحد؟ فخرج إليه فارس من المسلمين فقتله الرّوميّ. فصاح الكفّار سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب يجول بين الصّفّين وينادي ويقول: ثلاثة لواحد، فلم يجترئ


(١) المستطرف (١/ ٣١١) .
(٢) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.