للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١- المشاركة في الصّبر كأن يصبر الإنسان عن المعاصي، ويصبر الشّيطان على الإغواء وحينئذ تكون الغلبة لأكثرهما صبرا.

٢- موالاة الصّبر ومتابعته سواء كان صبرا عن المعاصي أو صبرا على الطّاعات.

وكما أمرنا المولى عزّ وجلّ بالصّبر فقد أمرنا أيضا بالمصابرة في قوله عزّ من قائل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران/ ٢٠٠) .

فما معنى المصابرة الّتي أمرنا بها؟

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- إجابة عن هذا التّساؤل: «قيل في قوله تعالى اصْبِرُوا وَصابِرُوا..

الآية» أنّه انتقال من الأدنى إلى الأعلى، فالصّبر دون المصابرة «١» .

وقيل: اصبروا بنفوسكم على طاعة الله، وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله.

وقيل: اصبروا في الله، وصابروا بالله، (أي أنّ الصّبر يكون في طاعة الله والمصابرة تكون في الاستعانة بالله) .

وقيل: اصبروا على النّعماء، وصابروا على البأساء والضّرّاء وقال- رحمه الله تعالى- فالصّبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوّك «٢» » «٣» .

وقال- رحمه الله- في تفسير الآية الكريمة مؤكّدا هذا المعنى الأخير: أمرهم بالصّبر، وهو حال الصّابر في نفسه، والمصابرة مقاومة الخصم في ميدان الصّبر، فإنّها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين- كالمشاتمة والمضاربة «٤» - وهي إذن حال المؤمن في الصّبر مع خصمه، أمّا المرابطة فهي الثّبات واللّزوم والإقامة على الصّبر والمصابرة، فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبّد بالتّقوى، فأخبر سبحانه أنّ ملاك ذلك كلّه: التّقوى، وأنّ الفلاح موقوف عليها، فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «٥» .

وهذا الّذي ذهب إليه ابن القيّم هو عين ما رجّحه الطّبريّ عند ما قال: وأولى التأويلات في ذلك قول من قال: «اصبروا على دينكم وطاعة ربّكم، وذلك أنّ الله لم يخصّص من معاني الصّبر على الدّين والطّاعة شيئا فيجوز إخراجه من ظاهر التّنزيل، ومن ثمّ يكون الأمر بالصّبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى صعبها وشديدها وسهلها وخفيفها، أمّا المصابرة فيقصد بها مصابرة الأعداء من المشركين لأنّ المعروف من كلام العرب في المفاعلة أن تكون من فريقين أو اثنين فصاعدا، ولا تكون من واحد إلّا قليلا، وإذا كان ذلك كذلك فإنّما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم وألّا يكون عدوّهم أصبر منهم «٦» .

وقال النّيسابوريّ: المراد بالصّبر جهاد النّفس بالرّياضات، وبالمصابرة: مراقبة القلب عند الابتلاءات «٧» .

وقال القرطبيّ: المصابرة: في قول زيد بن أسلم:

«مصابرة الأعداء» وقال الحسن: «على الصّلوات الخمس» ، وقيل: إدامة مخالفة النّفس عن شهواتها فهي


(١) ويشير بهذا إلى أن الصيغة «فاعل» تفيد الموالاة في الصبر والمبالغة فيه.
(٢) يشير بهذا القول الى أن المراد بالمصابرة المشاركة في الصبر وكأن الإنسان يصبر على الجهاد مثلا (جهاد النفس أو جهاد العدو) فيصبر عليه بمثل ما صبر.
(٣) مدارج السالكين ١/ ١٦٦-، ١٦٧
(٤) يشير بذلك إلى المعنى الصرفي الأول للصيغة وقد ذكرناه آنفا.
(٥) التفسير القيم لابن قيم الجوزية ص، ٢١٧
(٦) ذكر- رحمه الله تعالى- آراء عديدة في تفسير معنى الصبر والمصابرة، ثم وازن بينها ورجح أولى الآراء بالقبول، انظر هذه الآراء في المجلد ٣ ج ٤ ص ١٤٨، ١٤٩
(٧) تفسير النيسابوري (بهامش الطبري) مجلد ٤ ج ٤ ص، ١٧٥