للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«كيف أنت إذا رأيت أحجار الزّيت قد غرقت بالدّم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: «عليك بمن أنت منه» قلت: يا رسول الله أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: «شاركت القوم إذن» قلت: فما تأمرني؟

قال: «تلزم بيتك» قلت: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال:

«فإن خشيت أن يبهرك شعاع السّيف فألق ثوبك على وجهك يبؤ بإثمك وإثمه» ) * «١» .

٢٤-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى- عليه السّلام- خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ! كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا «٢» في مكتل «٣» فحيث تفقد «٤» الحوت، فهو ثمّ «٥» . فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون، فحمل موسى- عليه السّلام- حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصخرة، فرقد موسى- عليه السّلام- وفتاه. فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتّى كان مثل الطّاق «٦» فكان للحوت سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى- عليه السّلام- قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «٧» . قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به. قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأى رجلا مسجّى «٨» عليه بثوب فسلّم عليه موسى.

فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام؟ قال أنا موسى.

قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه. قال له موسى- عليه السّلام-: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟ قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال:

نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «٩» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة، فنزعه، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا «١٠» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من


(١) أبو داود (٤٢٦١) ، ابن ماجه في الفتن (٣٩٥٨) . وقال محقق جامع الأصول (١٠/ ٧) : حديث حسن.
(٢) الحوت: السمكة.
(٣) مكتل: هو القفة والزنبيل.
(٤) تفقد: أي يذهب منك.
(٥) فهو ثم: أي هناك.
(٦) الطاق: عقد البناء.
(٧) نصبا: النصب: التعب.
(٨) مسجى: مغطى.
(٩) بغير نول: بغير أجر.
(١٠) إمرا: عظيما.